Lessons by Sheikh Al-Albani
دروس للشيخ الألباني
Noocyada
زهد الرسول ﷺ في الدنيا
الحديث الذي بعده وهو صحيح أيضًا قال: وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: (نام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، قلنا: يا رسول الله! لو اتخذنا لك وطاءً -يعني: شيئًا من الفراش من تحتك تدفع به أثر الحصير في جسدك، يكون لك شيء طري من تحتك- فقال ﵊: ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها) .
وفي هذا الحديث كناية عن أن الذي يكون في سفر، وعلى عجل، فينزل تحت شجرة ولا يؤسس ولا يبني تحتها؛ لأنه عما قريب راحل، فالرسول صلوات الله وسلامه عليه حينما شبه نفسه في هذه الحياة الدنيا، في هذه العاجلة الفانية، كالرجل المسافر ينزل تحت الشجرة يستظل بها، فهو سرعان ما يرحل عنها ويدعها، ففيه حض على ألا يتكلب وألا يتمسك المسلم بهذه الدنيا وبحطامها وزخرفها وزينتها، اللهم إلا بمقدار ما يساعده على القيام بحق العبادة لله ﷿، هذه العبادة التي من أجلها خلقنا كما قال ربنا ﷿: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:٥٦] .
هذا الحديث أيضًا صحيح، وقال المصنف في تخريجه: رواه ابن ماجة، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والطبراني ولفظه: هذا اللفظ طويل وفي سنده ضعف، ولذلك على الشرط السابق اجتنبته.
الحديث الذي بعده وهو صحيح أيضًا، وهو قوله: وعن ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال: (يا رسول الله! لو اتخذت فراشًا أوفر من هذا، فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب سافر في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة، ثم راح وتركها) رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي.
ومثلما تقدم قوله: وعنه -يعني: ابن عباس - قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: (دخلت على رسول الله ﷺ وهو على حصير، قال: فجلست فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره ...) والإزار هو: الثوب الذي يغطي أسفل البدن، والرداء هو الذي يغطي أعلى البدن، وهذا أيضًا مما يصف فيه الراوي الرسول ﵊، أنه لما دخل عليه لم يكن عليه من الثياب إلا الإزار الذي يغطي به عورته ﵊، ثم بعد ذلك يصف البيت والغرفة التي كان فيها، والفراش الذي كان جالسًا عليه قال: [فجلست فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وقرض في ناحية في الغرفة] هذا كل الزاد الذي يوجد في بيت رسول الله ﷺ، ليس هو إلا الحصير، والقبضة من الشعير، وقليل من القرض الذي كانوا يدبغون به الإهاب، أي: الجلود قبل دبغها قال: [وقرض في ناحية في الغرفة، وإذا إهاب معلق -كأن هذا القرض هيئ لدبغ هذا الإهاب- وإذا إهاب معلق فابتدرت عيناي] بكى عمر بن الخطاب ﵁، فقال رسول الله ﷺ: (ما يبكيك يا ابن الخطاب؟! فقال: يا نبي الله! وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى من الشعير والقرض، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك -لماذا لا أبكي وأنت سيد البشر، وأنت في هذا الفقر، وأولئك الكفار ملوك كسرى وقيصر يعيشون في النعيم، في الحرير وفي الأنهار- قال: يا ابن الخطاب! أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟) .
هكذا الحديث ينتهي هنا في هذا الكتاب، ولكن يجب أن يستدرك عليه زيادة ابن ماجة، (قلت: بلى) هذه الزيادة لم ترد في الكتاب هنا في هذه النسخة، فتستدرك عند من كانت عنده نسخة كنسختي، قال: (يا ابن الخطاب! أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى) رواه ابن ماجة بإسناد صحيح، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
عندي هنا استدراك على هذا التخريج، قلت: وفي استدراكه على مسلم وهم، وفي عزو المصنف لـ ابن ماجة تقصير، فقد أخرجه مسلم في الجزء الرابع في الصفحة الثامنة والثمانين بعد المائة، إلى التاسعة والثمانين بعد المائة في قصة اعتزاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نساءه بلفظ ابن ماجة وإسناده.
إلى آخر التعليق.
فالمصنف عزاه فقط لـ ابن ماجة ثم للحاكم، وذكر أن الحاكم صححه على شرط مسلم.
وهنا وهم من جهة الحاكم، وتقصير من جهة المؤلف، فالوهم من جهة الحاكم لأنه خرّج هذا الحديث في كتابه المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم، وإنما يخرج في كتابه المذكور ما لم يأت في صحيح البخاري أو صحيح مسلم، ويكون الحديث على شرطهما أو شرط أحدهما، ففي هذه الحالة يورد الحديث ويقول: صحيحٌ على شرط البخاري، أو صحيح على شرط مسلم، فهذا الحديث استدركه الحاكم وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم، وفاته أن الإمام مسلم رواه في صحيحه، كما رواه الحاكم في مستدركه، ومن هنا يتبين تقصير المصنف؛ حيث اقتصر في تخريج الحديث على عزوه لـ ابن ماجة والحاكم، وكان الأحق أن يعزى لـ صحيح مسلم، ولكن بُعد المخرج عن مظنة الإنسان أبعد المصنف عن أن يستحضر عزوه لـ صحيح مسلم؛ لأن مسلمًا إنما روى هذه القطعة بمناسبة اعتزاله ﵊ لنسائه، في قصة معروفة أخرجها مسلم بكاملها.
وفي تضاعيفها لما بلغ عمر بن الخطاب أن النبي ﷺ اعتزل نساءه، جاء إليه ليواسيه ﵊، أو يساعده على ما هو فيه، فلما دخل عليه رأى ما جاء في هذه الرواية، وفي هذه القصة بتمامها جاء هذا المقدار منها في صحيح مسلم، فلم يتنبه لذلك الحاكم، ثم المؤلف، وهذا يقع لكل مؤلف؛ لأن العصمة لله وحده ﷾.
5 / 3