Lessons by Sheikh Al-Albani
دروس للشيخ الألباني
Noocyada
الحث على سلوك الطريق المستقيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢] .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١] .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠-٧١] .
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: فإننا نحمد الله ﵎ على أن هدانا لما اختلف فيه الناس من الحق بإذنه ﷾، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، هدانا إلى أن نتبنى الكتاب والسنة عقيدة لنا ومنهجًا في حياتنا، بينما نجد المسلمين الآخرين قد رضيت كل طائفة منهم بمذهب يلتزمونه التزام المسلم للكتاب والسنة، فهذه نعمة ليس بعدها نعمة؛ ذلك لأن التمسك بالكتاب والسنة هو الضمان الوحيد الذي يعصم الإنسان من أن يقع في ضلال مبين، كما جاء في الحديث الصحيح عن الرسول ﵊ أنه قال: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) .
التمسك بالكتاب والسنة هو السلوك على الطريق المستقيم، الذي أخبرنا به رب العالمين في كتابه الكريم حين قال: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام:١٥٣] وقد أخرج أبو عبد الله الحاكم في مستدركه بإسنادٍ جيد، من حديث عبد الله بن مسعود ﵁ قال: (خط لنا رسول الله ﵌ خطًا على الأرض مستقيمًا، ثم خط خطوطًا أخرى على جنبتي الخط الأول -خط خطوطًا قصيرة حوالي الخط المستقيم- ثم قرأ قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام:١٥٣] ثم زاد بيانًا لهذه الصورة البديعة الجميلة التي صورها رسول الله ﵌ بيده الكريمة على الأرض؛ لينطبع في أذهان السامعين لكلامه والرائين لصورته أثرها في قلوبهم فقال: هذا صراط الله، وهذه طرق، وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه) .
ولقد كانت هذه الصورة من بالغ حجة الله على لسان نبيه على أولئك المسلمين الذين انحرفوا عن صراط ربهم المستقيم؛ لأن هذه الصورة توضح وتؤكد ما جاء في الآية السابقة، أن الطريق الموصل إلى الله ﵎ ليس إلا طريقًا واحدًا، وأن الطرق الأخرى -التي تخرج من الطريق المستقيم وتبعد عنه- كلما سار السائر فيها ابتعد عن الصراط المستقيم وضل ضلالًا مبينًا.
وإني لأرى في هذه الصورة تنبيهًا لطيفًا ناعمًا جدًا، إلى ما يقع فيه كثير من الناس من الانحراف عن الخط المستقيم، بدعوى أن هذا الطريق بعيد المدى، نحن نسمع هذا الكلام في هذه الأيام، ونجد الرسول ﵊، وكأنما أوحى الله ﵎ إليه بما سيقع وبما سيأتي من الزمان؛ فأشار إليه بهذه الصورة البديعة الجميلة نحن حينما نتحاجج مع بعض المخالفين للنهج السلفي، وحينما ندعو الناس إلى هذا النهج السوي وهو اتباع الكتاب والسنة، ونفصل لهم شيئًا من التفصيل، ونقول لهم: لا بد من تعليم الناس دينهم على الوجه الصحيح المطابق للكتاب والسنة، والموافق لما كان عليه سلفنا الصالح ﵃؛ نجد كثيرين من هؤلاء يعترفون بأن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه؛ ولكن يقولون: يا أخي! هذه شغلة طويلة، وهي تحتاج إلى مدى طويل، ونحن نريد أن نقيم الدولة المسلمة بأقرب طريق.
فنقول لهم: إن هذا الطريق قد صوره الرسول ﵇ فعلًا أنه طريق ممتد وطويل؛ ولكنه مستقيم.
ومن لطائف هذه الصورة البديعة الجميلة: أنه صور الطرق المنعرجة المنبعثة منه والخارجة عنه طرقًا قصيرة، وذلك من تمام ما يسوله الشيطان لبني الإنسان بأن يقول لهم: إلى متى تمشون؟ ومتى تصلون؟ اذهبوا من هذا الطريق، انظروا ما أقربه وما أيسر الوصول إلى منتهاه! وهذا هو ما غر الناس اليوم، وهو واقع الطوائف الإسلامية الذين يريدون العمل للإسلام، ويريدون خدمة الإسلام وإقامة الدولة المسلمة، تجدهم يتحمسون لإقامة الدولة المسلمة ولكن بغير علم، وإن كان هناك علم ما فليس هو العلم النافع؛ لأن العلم النافع إنما هو ما كان كتابًا وسنة، ثم ما كان من عمل السلف الصالح من عمل الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان، هذا هو العلم النافع، وإلى هذا أشار ابن القيم بقوله:
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها حذرًا من التعطيل والتشبيه
فـ ابن القيم يشير إلى هذه الحقيقة: أن العلم النافع إنما هو قول الله وقول رسول الله، بفهم أصحاب رسول الله ﵌.
فهؤلاء الدعاة الذين يريدون الوصول إلى تحقيق الغاية العظمى، وهي إقامة حكم الله في الأرض، وإيجاد الخلافة الراشدة بعد تلك الخلافة الماضية، التي يتفق جميع المسلمين على وجوب تحقيقها، ولكنهم يختلفون في الوسيلة وفي الطريق، ونحن السلفيين معهم في هذه الغاية، لكننا لسنا معهم في الوسيلة، نحن وسيلتنا أنه لا بد من العلم النافع والعمل الصالح، والعلم النافع هو ما كان مبنيًا على كتاب الله وحديث رسول الله، الحديث الصحيح فقط، وعلى فهم السلف الصالح، والعمل بهذا العلم.
ولو اجتمع المسلمون اليوم جميعًا على العلم النافع ثم لم يعملوا بذلك؛ فلن يصلوا إلى هدفهم المنشود وهو إقامة حكم الله في الأرض؛ ذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فنحن مع كل الذين يدعون إلى إقامة حكم الله في الأرض، وتحقيق -ما يسمونه اليوم- الحاكمية لله ﷿ وحده لا شريك له، ولكننا نختلف عنهم كل الاختلاف في الطريق، طريقنا طويل ومديد، وطريقهم قصير ولكنه منحرف عن الصراط المستقيم، وذلك ما أشار إليه الرسول صلوات الله وسلامه عليه في هذه الصورة الجميلة البديعة، حينما خط الصراط المستقيم خطًا طويلًا مستقيمًا، وخط الطرق المتعرجة عنه طرقًا قصيرة؛ إشارة إلى هذه الحقيقة، وهي أن الطرق الشيطانية، والتي يزعم دعاتها أنها تؤدي بهم إلى تحقيق الإسلام وإقامة حكمه في الأرض، أنها ليست من الطرق التي تؤدي إلى الخير؛ ذلك لأن الطريق المؤدي إلى الخير هو طريق واحد يجوز لي أن أقول: لا شريك له؛ لأنه وحي السماء، وحي من الله على قلب رسول الله ﵌، فهو لا يقبل التعدد كالموحي به وهو الله ﵎.
من عجائب ما انحرف به المسلمون عن نصوص الكتاب والسنة، وخاصة هذا الحديث؛ أنهم يصدمونه صدمًا، فهو مع تصريحه بأن الطريق واحد يقولون: الطرق الموصلة إلى الله بعدد أنفاس الخلائق!!
16 / 2