Lessons by Sheikh Al-Albani
دروس للشيخ الألباني
Noocyada
نقد كتاب حياة الصحابة
فعلى هذا نقول: بالنسبة لهذا
السؤال
كتاب حياة الصحابة هو دليل لما نقول نحن، فالذي ألف هذا الكتاب ليس فردًا من أفراد جماعة التبليغ، بل إن لم يكن من رءوسهم فهو رأس الرءوس، ألف هذا الكتاب، والجماعة ينطلقون على هداه، ولكن هذا الكتاب جمع ما هب ودب، أي: أولًا: لم يخصص هذا الكتاب لأنْ يذكر فيه ما صح عن رسول الله ﷺ؛ لأن كلام الرسول ﷺ ليس ككلام غيره من الناس، ولو كانوا أولياء وصالحين.
ثانيًا: ذكر روايات كثيرة عن الصحابة ﵃، فإذا كانت الأحاديث التي نسبها إلى الرسول فيها أشياء لا تصح نسبتها إلى الرسول عند أهل العلم بطريق معرفة الحديث، ومعرفة الأسانيد، وتراجم رجال الأسانيد ونحو ذلك، فمن باب أولى أن يذكر في هذا الكتاب روايات كثيرة وكثيرة جدًا عن الصحابة من أقوالهم، ومن أفعالهم، ومن منهجهم، ومن سلوكهم، وكثيرٌ منها لا يصح.
ويعجبني في هذه المناسبة قول لشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، وهذا من نفيس كلامه ودقيق منهجه العلمي، حيث قال ما معناه: إن على كل باحث أن يتثبت فيما يرويه عن أصحاب النبي ﷺ، كما يتثبت فيما يرويه عن الله ورسوله.
هذه كلمة جماهير العلماء قديمًا وليس حديثًا فقط، قديمًا وحديثًا قد أخلوا بها، فما تعود إلى كتاب إلا ما ندر جدًا، مثل كتاب نيل الأوطار للشوكاني، هذا من الكتب التي نحن نحض طلاب العلم على الاعتناء بدراسته والاستفادة منه، مع ذلك تجده يحشد فيه أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم بمناسبة الكلام مع الآية أو الحديث، لكنه لا يسلك هذا السبيل وهو سبيل التثبت مما ينسب إلى الصحابة، كما يجب التثبت مما ينسب إلى النبي ﷺ، قلَّ من يفعل هذا! ومن هنا يصيب المجتمع الإسلامي شيء من الانحراف، لماذا؟ وهذه نقطة في الحقيقة مهمة جدًا.
نحن قلنا دائمًا وأبدًا: إن منهجنا كتاب الله وسنة رسول الله، وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح، لا يكفي اليوم أبدًا أن ندعو الناس إلى الكتاب والسنة فقط؛ لأنك لن تجد في كل هذه الجماعات المختلفة حديثًا وقديمًا، لن تجد جماعة منهم ولو كانوا من المرجئة أو كانوا من المعتزلة يقولون: نحن لسنا على الكتاب والسنة، كلهم يقولون هكذا، إذًاَ: ما الفارق بين هذه الجماعات التي كلها تقول، وهي صادقة فيما تقول، لا نستطيع أن نتهمها فيما تقول، تقول: نحن على الكتاب والسنة، لكنها غير صادقة في تطبيقهما على ما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم.
من هنا نقول: لابد من معرفة ما كان عليه السلف لنستعين به على فهم الكتاب والسنة، فإذا جاءتنا رواية عن بعض الصحابة وهي غير صحيحة، وأخذنا بها على أساس أنها بيان للكتاب والسنة، انحرفنا كما لو أخذنا بحديث ضعيف أو موضوع، لهذا ابن تيمية يقول: يجب التثبت فيما نرويه عن الصحابة كما نتثبت فيما نرويه عن الله ورسوله ﷺ.
هذا الكتاب كتاب حياة الصحابة خالف هذا النهج العلمي، فهو جمع ما هب ودب، وأنا أضرب لكم مثلًا مجملًا: هو ينقل مثلًا حديثًا عن كتاب مجمع الزوائد، يقول: رواه أحمد والطبراني، وقال في مجمع الزوائد: رجاله ثقات.
الذين يتداولون هذا الكتاب عندما يقرءون: قال في مجمع الزوائد: رجاله ثقات، ما الذي يفهمون منه؟ كما يقولون عندنا في بعض الأعراف في سوريا: (خش حديث) ما دام رجاله ثقات صار حديثًا ثابتًا، لا.
عند أهل العلم أي حديث يقول فيه أحد المحدثين: رجاله ثقات، فلا يعني هذا المحدث أنه حديث صحيح، بل أي حديث يقول فيه مؤلف الكتاب: رجاله رجال الصحيح فلا يعني أنه صحيح؛ وهذا أشد إيهامًا لصحة الحديث من قوله الأول، فإذا قال: رجاله ثقات، قد يتوهم بعض الناس أنه صحيح، لكن الإيهام بالتعبير الثاني: رجاله رجال الصحيح، أكثر، مع ذلك لا هذا ولا هذا في علم الحديث يعني صحة الحديث.
إذًا: كان ينبغي على مؤلف هذا الكتاب أن يختار، لا نقول: أن يصحح كل هذه الروايات ويدقق القول فيها؛ لأنه في الحقيقة -أنا أعتقد- لو أراد رجل عالم متثبت أن يصحح وأن يضعف وأن يؤلف كتابًا مثل كتاب الصحابة لأخذ منه سنين عديدة؛ لأن الحديث الواحد التحقيق فيه قد يأخذ منه ساعات، بل قد يأخذ منه يومًا وأيامًا، وهذا نحن نعرفه بالتجربة، فإذًا: لو أراد أن يؤلف مثل هذا الكتاب وعلى هذه الطريقة فسيأخذ منه عمره أو بعض عمره على الأقل، لكن كنا نرجو منه أن يختار ما صح عنده بأقرب طريق، بدون أن يخصص الكلام في كل حديث من هذه الأحاديث.
إذًا: هذا هو الجواب عن كتاب حياة الصحابة، أنه لا ينبغي الاعتماد عليه إلا بشيء من التحفظ كأكثر الكتب.
وأنا أضع الآن بين أيديكم قاعدة لكي لا تحرموا الاستفادة من مثل هذا الكتاب، فأقول: كلما رأيتم حديثًا معزوًا -أولًا- لأحد الصحيحين في هذا الكتاب أو في غيره يقول: رواه البخاري ومسلم، رواه البخاري، رواه مسلم، فعضوا عليه بالنواجذ هذا أولًا.
ثانيًا: إذا رأيتموه نقل عن أحد المحدثين أنه قال: هذا حديث إسناده صحيح، أو قال: إسناده حسن، أيضًا تمسكوا به، وما سوى ذلك فعرجوا عنه ولا تعرجوا عليه.
السائل: هل القاعدة على هذا الكتاب أو على العموم؟ الشيخ: كل الكتب.
9 / 8