Lessons by Sheikh Abi Ishaq Al-Huwaini
دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني
Noocyada
من ضياع الأمانة: ضياع الأحكام والفرائض
كلمة: (إذا ضيعت الأمانة) لفظ عام يشمل دين الله ﵎ كله، يعني: إذا ضيع دين الله ﷿ فانتظر الساعة، وقد ورد في أحاديث كثيرة أن من علامات الساعة ضياع الصلاة، وضياع الحكم، فأنت ترى أن ثلث الأمة لا يصلي مثلًا وربما أكثر من الثلث، والصلاة فرض عين على كل إنسان ومع ذلك هؤلاء لا يصلون.
حتى أن صلة بن زفر راجع حذيفة بن اليمان في هذا الصنف من الناس يقول حذيفة (إنه في آخر الزمان يكون قوم لا يدرون ما الصلاة ولا الزكاة ولا الحج)، ولا يدرون شيئًا من أوامر الله ﷿، إنما يقولون: لا إله إلا الله، -هذه الكلمة كما لو كانت كلمة تراثية أو شيء موضوع في متحف- ما معنى لا إله إلا الله؟ قالوا: لا ندري إنما أدركنا آباءنا يقولوها فنحن نقولها يعني: هم ورثوا لا إله إلا الله فهم يقولونها كما قالها أسلافهم، لكن لا يدرون شيئًا عن مقتضياتها.
وبكل أسف فهذا هو الفرق بين الوارث والعامل، الذي ورث الكتاب ليس كالذي تلقى الكتاب وناضل من أجله، هناك فرق ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ﴾ [الأعراف:١٦٩] هناك فرق بين من قاتل على تنزيل آيات الكتاب، وبين من ورث الكتاب، فرق كبير جدًا الذين ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون: سيغفر لنا، فانظر الربا مثلًا المعصية الوحيدة التي ذكر الله ﷿ فيها الحرب: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ﴾ [البقرة:٢٧٩]، ومع ذلك فهناك أحد المفتين جاءه رجل فقال: والله أنا مضطر أن أقترض بالربا ولا أجد أحدًا يقرضني إلا بالربا، فهل تجد لي مناصًا وخلاصًا من إثم الربا؟ قال: نعم.
هو يعطيك مثلًا المائة بمائة وعشرة، أنت تقول: هذا ربا، لكن تتخلص من الربا، قل: لله علي أن أعطيه عن كل مائة عشرة، فصار نذرًا واجب الوفاء -فهذا لعب بالشرع-، يقول له: أنت العب واجعله نذرًا، وقل: لله علي أن أعطيه عن كل مائة عشرة، فصار النذر في حقك فرضًا، إذًا: أنت في هذه الحالة تؤدي ما افترضته على نفسك وليس هذا من الربا بسبيل.
لو كان هذا من الصحابة الذين تلقوا الكتاب هل ممكن يهون عليه أن يفعل هذا؟ أبدًا.
لا يمكن، وأنت اعتبر بسيرة أبي ذر ﵁ في الصحيحين لما بعث النبي ﵊ فأرسل أبو ذر أخاه يسأل عن هذا الرسول وما صفته؟ وماذا يقول؟ وما رسالته؟ ونحو ذلك، فذهب وسمع وبعد ذلك رجع إلى أبي ذر وقال: وجدته يأمر بمكارم الأخلاق، ويدعو لعبادة الله، قال له: ما شفيتني، ثم ركب أبو ذر راحلته ورحل إلى الرسول ﵊ ودخل مكة وإذا أهلها أشد حربًا على النبي ﵊ وعلى أصحابه، فـ أبو ذر رأى الأوضاع سيئة وأنهم يضطهدون أتباع النبي ﷺ فأحب أن يتخلص من العنت والمشقة، فأراد أن يسأل عن النبي ﵊ دون مشاكل، قال: فتضعفت رجلًا منهم قال: أسأله لأنه لن يعمل شيئًا حتى لو غضب مني، فهو ضعيف لا يستطيع أن يدخل معي في مبارزة ولا قتال، أتعرفون! هذا الضعيف وضعوه فخًا، أي واحد يدخل مكة ويسأله عن النبي ﵊ يشير إشارة فقط فيأتي كل كفار قريش فيضربونه.
فـ أبو ذر يقول: فتضعفت رجلًا منهم؛ لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبًا، قال: فقلت له: أين ذلك الصابئ الذي يدعو إلى كذا وكذا؟ فقال ذلك الرجل: الصابئ الصابئ قال: فانقلب علي القوم بكل مدرة وعظم، هذا جاء بلحي بعير، والثاني جاء بعظمة حمار، قال: وانهالوا علي جميعًا، فما تركوني إلا وقد جعلوني نصبًا أحمر، والنصب التمثال إذا سكب عليه دم، أي: أن الدماء سالت منه بسبب الضرب الذي هم ضربوه، قال: فمشيت إلى زمزم، وليس له إلا ماء زمزم يشرب منها، هو طعام وشراب، قال: حتى تكسرت عكن بطني ولم أجد على كبدي سخفة جوع، صار ذو كرش، وزال أثر الجوع تمامًا من على كبده.
فالمهم عندما خرج مر عليه علي بن أبي طالب وكل منهم ينظر إلى الآخر ولا يكلم الآخر، ثم في اليوم الثاني جاء علي بن أبي طالب فجعل يقول له: أما آن للغريب أن يعرف مثواه، يعرض عليه الكلام، حتى أمن لـ علي بن أبي طالب فسأله عن النبي ﷺ فقال له: اتبعني امش خلفي، فإذا خفت عليك جلست كأنني أصلح نعلي.
يعني: إذا قعدت كأني أصلح نعلي فاستمر في المشي كأنك لا تعرفني.
وبعد ذلك أخذه علي بن أبي طالب ومضى خلفه حتى ذهب إلى النبي ﵊، وأسلم أبو ذر وسمع آيات القرآن، فأخذته الحمية ورجع مرة أخرى إلى المسجد الحرام وقال: والله لأصرخن بها بينهم، وصرخ بها بينهم في المسجد الحرام، فانهالوا عليه مثل المرة الأولى، وما خلصه إلا العباس مثلما خلصه في المرة الأولى، وقال: ويلكم! ألا تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجارتكم يمر من غفار فأنتم إذا قتلتموه وقفت لكم غفار بالمرصاد، وقطعوا عليكم الطريق، وأخذوا التجارة منكم.
فلما ذكر لهم ذلك سكتوا وكفوا عنه.
فمثل أبي ذر هل من الممكن أن تهون عليه آية من آيات الكتاب فيحرفها لمأرب شخصي أو لعرض من أعراض الدنيا؟ هذا مستحيل، لذلك الفرق بين الذي أنزل عليه الكتاب والذي تلقاه وورثه كبير جدًا، وأنت اعتبر في الدنيا بالرجل المكافح الذي جمع ماله حال شبابه، وكان قبل ليس له مال، بدأ من الصفر وجعل يجتهد في جمع المال، ولا يمكن أن هذا الرجل ينفق المال بسفه، كل مسألة ومشروع يريده يعمل له دراسة جدوى؟ هل هو أفضل أم الفلوس أفضل، ودائمًا تجده حكيمًا في التصرف والنفقة، حتى جمع ألوفًا وملايين ثم مات، وورث ابنه هذا المال، فلو أنفق المال كله في ضحوة من نهار ما ذرف عليه دمعة واحدة، ولو المال كله احترق لا يبكي عليه لماذا؟ لأنه ما جمع هذا المال، ولا تعب عليه.
2 / 11