Habeenada Ruuxa Wareersan
ليالي الروح الحائر
Noocyada
تقولون: شرف وفضيلة ... فما هو ذلك الشرف سوى الألقاب الفارغة وتلك المظاهر الباطلة، أرأيت رجلا كاملا لا ينطق إلا بميزان ولا يفوه بفحش القول كأن على رأسه ملكين كريمين يكتبان؟ أرأيته كيف يأنف إذا اغتبت لديه عدوه؟ أسمعته كيف يأبى عليك أن تمدحه في وجهه؟ إنه - يا صاحبي - ممثل حاذق أمكنه أن يستر حقيقة شخصه بغشاء من الرياء والنفاق، إنه ادعى الفضيلة، ولعمري ما وضع الواضعون اسما بغير مسمى أغرب ولا أعجب من هذا الاسم، فإنه يتضمن كل شيء ولا يدل على شيء، وليس ذلك بعجيب، أرأيت تلك الفتاة التي احمر وجهها خجلا إذا نطقت أمامها باسم الحب؟ أرأيتها وهي بين ذراعي حبيبها بعد ذلك ببرهة تبثه لواعج الشوق وتتلو عليه آيات الغرام؟ هذه يا صاحبي هي الفضيلة، هذا هو الشرف، لكن كما يفسرها الرجل العجيب الذي ركب كتفي السندباد لا كما يفسرها السندباد بذاته.
ولكن لماذا نلوم الناس ونعتب عليهم؟ أليسوا بشرا؟ أليسوا قطيعا من الحيوان كان يدب منذ قرن في الأدغال والأحراش؟ ولكن لماذا نتظاهر بما لا نبطن؟ نظام الهيئة الاجتماعية يقضي بذلك، وما هو نظام تلك الهيئات الاجتماعية سوى قواعد وضعها الإنسان للإنسان وصيره بها أسيرا على مدى الدهر والأزمان ضعيف الحول والطول حقير الرأي والعقل. إن هذه الحيوانات المستترة وراء الحلل الفاخرة والحلى الغالية سئمت ذلك الاستتار وأصبحت تبجل الصادق الأمين والوفي الحر؛ لأن صاحب تلك الصفات نادر ندور الكبريت الأحمر في ذلك العالم الطويل العريض، فلماذا لا نخلع كلنا مرة واحدة رداء الرياء ونطلق النفاق طلقة بائنة وننسى الماضي، ونسير في طريقنا كما يسير إخواننا في الأجمات والغابات بلا كذب ولا خداع ولا نميمة وبلا الألفاظ الخلابة الباطلة؟!
لا أريد أن أقلب نظام العالم أو أعطل سير الفلك، بل يخيل لي أن الشيطان يخجل إذا ظننته ملكا طاهرا، فكيف لا نخجل نحن ممن يجلنا ويعظمنا ويكرمنا ويسجد أمامنا ويبذل نفسه مرضاة لنا؟! إذا كان لنا ضمير فمتى يؤنبنا؟ وإن كان هناك جزاء فمتى يكون؟ وإذا كانت الإنسانية تسير سيرا حثيثا نحو الكمال فمتى يكون الوصول إن كانوا صادقين؟ وإن كنا نسير سيرا سريعا نحو الدمار فمتى يكون البلوغ إن كنا بالغين؟!»
قال الروح الحائر: فلما سمعت هذا القول قلت له: «لا شك أنك أيها الروح مجنون، أتظن هذه الأقوال حقا وهي عين الباطل؟!» فقهقه الروح المجنون وقال: «وأنت كذلك لا تزال مخدوعا، وسوف تفقه معنى هذا القول، وا حسرتاه! لقد التمست الأنصار في الأرض فلم أجدهم، وها أنا ألتمسهم بين الأرواح فيصفونني بالجنون، إن جنوني خير من عقلكم وخيالي أصدق من حقائقكم.» فأعرضت عن الروح المجنون وجئت إليك أنقل حديثه.
الليلة السادسة
نرجس العمياء
جاءني الروح الحائر باكيا، فقلت: «ماذا يبكيك يا روح العزيز؟» قال: «تبكيني ذكرى مؤلمة.» قلت: «وما هي؟» قال: «ذكرت اليوم أنني خلفت على الأرض نفسا زكية في جسم فتاة شقية، إلا أنها من بنات الجنة وهي لا تزال على الأرض، بل إني ألتمس من يماثلها في السماء فلا أجد.»
قلت: «ومن هي هذه المخلوقة الإنسية التي حوت تلك الصفات الروحانية؟»
قال: «إنها نرجس الضريرة، عرفتها أيام صباي في الحياة الأرضية، فإذا ذكرت السعادة وخلو البال وراحة القلب وفسحة الآمال على الأرض ذكرت تلك الأيام البعيدة السعيدة، تلك الأيام البعيدة القريبة؛ بعيدة لأني كلما نظرت ورائي إلى الحوادث والكوارث وغرائب الأقدار ومدهشات الليل والنهار رأيتها جميعا كالجبل العالي يفصل بين واديين، الوادي الأول: هو وادي الماضي وفيه تذكار الطفولة، والوادي الثاني: هو الذي أعاني الآن التيه في قفاره وأحاول الخروج من آجامه وأدغاله ولا أدري إلى أين، ولكن إذا نسيت كل مصائبي وأسدلت الستار على همومي واستسهلت الصعب واستهنت بالأحزان مما مضى رأيت أيام الطفولة أقرب شيء إلى قلبي فكأنني ابن الأمس وكأنني الساعة وأنا أحادثك أعبث برمل البحر وأمتع ناظري بمنظر غروب الشمس وأشنف آذاني بصوت المؤذن قبيل الفجر.
ليس ذلك كل ما أذكر من تلك الأيام ، بل إن في قلبي صحفا منسية وكتبا مطوية لم يأن قبل الآن أوان نشرها وتلاوتها، بل لا أكون مبالغا إذا قلت إن في صدري عالما صغيرا لا ينقصه شيء مما في أكبر العوالم؛ ففيه الفرح والحزن، والضحك والبكاء، والشجى والطرب.
Bog aan la aqoon