فقال بيومي الأرمل بتسليم: هو كذلك يا مولاي.
تردد السلطان طويلا حتى شعر المقربون بأن الخوف يساوره لأول مرة في حياته، ولما أدرك دندان ذلك، قال بلباقة: ما هو إلا مجنون يا مولاي، ولكن به سر لا يستهان به فليترك وشأنه .. وما من مملكة إلا وبها نفر من أمثاله لهم دورهم في العناية الإلهية، أرى يا مولاي أن يترك وشأنه وأن يبحث عن القاتل بين الشيعة والخوارج.
فقال السلطان، شاكرا في باطنه لوزيره لباقته: أحسنت النصيحة يا دندان.
ثم نظر إلى دنيازاد ونور الدين وقال: لكما الوعد فتزوجا، وسيكون لدنيازاد جميع مخصصاتها من بيت المال.
وتجلل المجلس بالسلامة والسعادة.
مغامرات عجر الحلاق
1
تبلبلت الخواطر لموت كرم الأصيل، ولكن عجر الحلاق شغل بنفسه عن الدنيا وما فيها، في الظروف العادية لا يشغله شيء عن الأحداث؛ فهو طفولي عريق، ينسج من الحبة قبة، ويعتبر في دكانه راوية قبل أن يكون حلاقا، ويستجلب بالأخبار والمبالغات الاهتمام والرضا .. غير أن ابتسامة أعادت خلقه من جديد، وفجرت الأماني المكتومة من قديم .. وهو قصير نحيل براق العينين، غامق السمرة، لا يخلو في الأصل من وسامة، ينطوي على نهم لا يدري به سواه .. صاحبة الابتسامة متوسطة العمر، تكبره بعام أو عامين .. لم تبسم إلى حلاق مثله؟ لعلها تحب الرجال، لعلها تغري بالأنوثة وبالجود، فما يشك أحد في فقر عجر الحلاق .. يا إلهي، إنه يحب النساء، ولولا الفقر ما بقيت فتوحة زوجته الوحيدة طيلة ذاك العمر .. لعله يحلم بالنساء كابنه اليافع علاء الدين ويحلم أيضا بالجاه والطعام والشراب .. وقد واظبت على المرور أمام دكانه أياما متتابعات حتى تصدى لها، فضربت له موعدا عند مدرسة السلطان عقب مغيب الشمس .. انتظر وهو يقول لنفسه: «جاء دورك في الحظ يا عجر» .. لأول مرة يثني على الحظ ويسجد، لأول مرة يرحب بهبوط المغيب، لأول مرة يأنس إلى الطريق وهو يقفر .. الدكاكين تغلق أبوابها، وهو يمتلئ بالانفعال والانتظار .. ولما خلا الطريق أو كاد ظهر «المجنون» بجلبابه الفضفاض ولحيته المرسلة .. على غير انتظار ظهر ليخترق الليل بأسراره .. هو المتطوع دائما بأنه مرتكب الجرائم الكبرى، والزاعم بأنه جمصة البلطي قاهر الموت الذي غزا قلب السلطان الحجري فأطلق سراحه .. وعجر يحبه كدعابة غامضة، ولكنه لم يرحب بظهوره في تلك الساعة الفاصلة .. وحدث ما أشفق منه، فاقترب منه المجنون حتى وقف بإزائه، وقال له بصوته المليء: اذهب إلى بيتك؛ فلا يخرج في الليل إلا ذو هدف.
فضحك عجر مغالبا توتره، وقال له: شعر رأسك ينمو مثل شجرة بلخ، ولحيتك تمتد طولا وعرضا كالستارة، هلا زرتني في دكاني لأهذبك؟
فنهره قائلا: عقلك فاسد فلا تطاوعه. - يا لك من مجنون ظريف!
Bog aan la aqoon