فأجاب وقلبه ينقبض: تعهدت بحفظ السر يا مولاي. - لك العذر يا معروف، ولكن ألا أستطيع أن أراه من بعيد من دون أن أمسه؟ - ولا هذا أيضا يا مولاي، ما أتعسني لعجزي عن تحقيق رغبتك! - لا عليك من ذلك. - شكرا لرحمتك يا مولاي.
فقال بعد تفكير: إني أعجب لشأنك؛ فلو شئت الجلوس على عرشي ما منعتك قوة في الأرض!
فهتف معروف مستنكرا: معاذ الله يا مولاي، ما أنا إلا عبد مؤمن، لا تغريه قوة بالتعرض لمشيئة الله. - إنك مؤمن حقا، والخاتم في يد المؤمن عبادة! - الحمد لله رب العالمين.
فسأل السلطان باهتمام: هل حظيت بالسعادة يا معروف؟ - سعادة بلا حدود يا مولاي. - ألا يفسد الماضي عليك سعادتك أحيانا؟ - ما مضى سلسلة من تعاسات تلقيتها من الآخرين، ولكني لم أرتكب ما أندم عليه! - هل تنعم بالحب يا معروف؟ - الحمد لله، لي زوجة تهب السعادة مع أنفاسها. - جميع ذلك بفضل الخاتم؟ - بفضل الله يا مولاي!
فصمت السلطان مليا، ثم سأله: أتستطيع أن تهب السعادة للآخرين؟ - لا حدود لقوة الخاتم، ولكنه لا يستطيع اقتحام القلوب.
تجلى في أعماق عيني شهريار فتور يوحي بخيبة الرجاء، ولكنه ابتسم قائلا: دعني أراك وأنت ترتفع في الفراغ حتى تمس عمامتك نقوش قبة البهو!
انقض الطلب عليه كقمة جبل قذف بها زلزال، تطايرت آماله هباء وأيقن بالهلاك .. قال بحرارة: لا يليق في حضرة السلطان إلا الأدب. - إنما تطير بناء على طلبي. - مولاي، إني عبدك معروف الإسكافي. - أتدين لي بالطاعة يا معروف؟
أجاب من حلق جاف: الله شهيد على ذلك. - إني آمرك يا معروف!
نهض من مجلسه فتربع في وسط البهو .. ناجى ربه في سره: «ربي لتكن مشيئتك .. لا تدع كل شيء يتلاشى كحلم» .. ومن قلب مكلوم يائس همس: ارتفع يا جسدي حتى تمس عمامتي السقف.
وأغمض عينيه مستسلما لمصيره الأسود. ولما لم يحدث شيء هتف من قلب معذب: «الرحمة يا مولاي!» .. وقبل أن ينبس بكلمة أخرى دبت في قلبه حيوية ملهمة فخف وزنه وتلاشى خوفه .. وإذا بالقوة المجهولة ترتفع به في هدوء ووقار وهو متربع على لا شيء، والسلطان يتابعه مذهولا متخليا عن رصانته، مغلوبا على أمره .. حتى مست عمامته القبة المرجانية، ثم مضى يهبط رويدا حتى استقر في مجلسه .. هتف السلطان: ما أتفه السلطنة! .. ما أتفه الغرور!
Bog aan la aqoon