قال لنفسه: إن الدنيا تخلق من جديد، وإن العناية تخصه بهذه الهدية لإنقاذ البشر .. وسرعان ما أفعم قلبه بإلهام نبيل .. وإذا بالرجل يسأله: فيم تفكر؟ - في أشياء جميلة تسرك.
فتساءل بحذر: خبرني عما ستفعل بها؟
فقال بتألق: سأفعل ما يمليه علي ضميري.
فقال الرجل: افعل أي شيء إلا ما يمليه عليك ضميرك!
فبردت نظرة عينيه وغشيتها الخيبة والانزعاج، وسأله: ماذا قلت؟! - افعل أي شيء إلا ما يمليه عليك ضميرك، هذا هو الشرط، وأنت حر فيما تقبل أو ترفض، ولكن احذر الخداع فعنده تفقد الطاقية، وقد تفقد حياتك أيضا. - إذن فأنت تدفعني للشر يا هذا؟ - شرطي واضح، لا تفعل ما يمليه عليك ضميرك، ولك ألا ترتكب شرا أيضا. - فماذا أصنع بها؟ - بين هذا وذاك أشياء كثيرة لا تنفع ولا تضر، وأنت حر. - لقد عشت حياة كريمة. - واصلها كما تشاء ولكن بعمامتك لا بالطاقية، ثم ماذا جنيت منها؟ .. الفقر والسجن بين الحين والحين. - هذا شأني.
قام الرجل قائلا: آن لي أن أذهب، فماذا تقول؟ ..
وجب قلبه بلهفة .. إنها فرصة لا تلوح مرتين .. لم يستطع رفضها .. قال بثقة: هدية مقبولة، ولا خوف علي منها.
3
بدءا من صباح اليوم التالي انطلق فاضل صنعان مثل الهواء، يحل في أي مكان ولا يرى .. هيمنت عليه التجربة السحرية الجديدة .. جرب أن يكون روحا خفية متنقلة، فأنساه السرور كل شيء حتى سعيه اليومي في سبيل رزقه .. شعر بالاختفاء أنه يعلو ويسود، ويتساوى مع القوى الخفية، وأنه يملك زمام الأمور، وأن مجال الفعل يترامى أمامه بلا حدود .. إنها عطلة فريدة يستريح بها من جسمه وأعين الناس وقوانين البشر .. وتصور ما كان يمكن أن تيسره لوغد من الأوغاد فشكر الحظ الذي خصه بالرعاية .. ومن فرط سروره لم ينتبه لنفسه إلا حين حلول المساء .. هناك تذكر أن أكرمان وأم السعد ينتظران دراهمه المعدودة لإعداد العشاء وشراء المواد اللازمة لصنع الحلوى .. جزع وأدرك أنه لا يستطيع أن يرجع إلى مسكنه بالربع فارغ اليدين .. ومر بدكان قصاب وكان يحصي ربح يومه على حين تنحى صبيه جانبا .. قرر أن يستولي على ثلاثة دراهم هي مقدار ربحه اليومي متعهدا بردها عند الميسرة .. ولم يجد بدا من دخول الدكان وأخذ الدراهم .. وخرج إلى الطريق منقبض الصدر لتورطه لأول مرة في حياته في السرقة .. ونظر نحو الدكان فرأى القصاب ينهال بالضرب على الصبي ثم يطرده متهما إياه بالسرقة!
4
Bog aan la aqoon