Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Daabacaha
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Sanadka Daabacaadda
1315 هـ
يقول: السكر فيه علة لأن الشاكر طالب لنفسه به المزيد فهو واقف مع الله تعالى على حظ نفسه بالشكر، ولكن الشكر ألا ترى نفسك أهلا للرحمة، وكان رضي الله عنه يقول: المريد الصادق غني عن علم العلماء وإذا أراد الله بالمريد خيرا أوقعه إلى الصوفية ومنعه صحبة القراء وكان يقول: التصوف أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة وتارة يقول: هو عنوة لا صلح فيها، وتارة يقول: هم أهل بيت لا يدخل معهم غيرهم وكان رضي الله عنه يقول: إذا رأيت الصوفي يعبأ بظاهره فاعلم أن باطنه خراب وكان يقول: لقيت إبليس يمشي في السوق عريانا وبيده كسرة خبز يأكلها فقلت له: أما تستحي من الناس فقال: يا أبا القاسم وهل بقي على وجه الأرض أحد يستحي منه من كان يستحي منهم تحت التراب قد أكلهم الثرى. وسئل رضي الله عنه مرة عن التوحيد الخالص فقال: أن يرجح العبد إلى قوله فيكون كما كان قبل أن يكون وكان يقول التوحيد الذي انفرد به الصوفية هو إفراد القدم عن الحدث والخروج عن الأوطان وقطع المحارب وترك ما علم وجهل ويكون الحق مكان الجميع، وكان رضي الله عنه يقول: علم التوحيد قد طوى بساطه منه عشرين سنة، والناس يتكلمون في حواشيه، وسئل عن الإنسان يكون هادئا فإذا سمع السماع اضطرب فقال: إن الله تعالى لما خاطب الذرية في الميثاق الأول بقوله: " ألست بربكهم " " الأعراف: 172 " استقرأت عذوبة سماع كلام الأرواح فإذا سمعوا السماع حركهم ذكر ذلك وكان رضي الله عنه يقول: تنزل الرحمة على الفقراء في ثلاثة مواطن عند السماع فإنهم يسمعون إلا من حق، ولا يقومون إلا عن وجد وعند أكل الطعام فإنهم لا يأكلون إلا عن فاقة، وعند مجاراة العلم فإنهم لا يذكرون إلا أحوال الأولياء.
وكان رضي الله عنه يقول: دخلت يوما على السري فوجدت عنده رجلا مغشيا عليه فقلت له ماله فقال: سمع آية من كتاب الله تعالى فقلت له: يقرأ عليه الآية مرة أخرى فقرئت فأفاق الرجل فقال السري: من أين علمت هذا؟ فقلت له: إن قميص يوسف عليه السلام ذهب بسببه عينا يعقوب عليه السلام ثم عاد بصره به فاستحسن ذلك مني.
وكان يقول: مبنى التصوف على أخلاق ثمانية من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: السخاء وهو لإبراهيم، والرضا وهو لإسحاق، والصبر وهو لأيوب والإشارة وهي لزكريا. والغربة وهي ليحيى، ولبس الصوف وهو لموسى، والسياحة وهي لعيسى، والفقر وهو لمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين.
وحكي أنه لما حضرته الوفاة أوصى أن يدفن معه جميع ما هو منسوب إليه من علمه فقيل له ولم ذلك فقال: أحببت أن لا يراني الله تعالى وقد تركت شيئا منسوبا إلي وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهر الناس وكان يقول لا تصفو القلوب لعلم الآخرة إلا إذا تجردت من الدنيا فانظر في ابتداء أمرك على إخراج الدنيا من سرك واحذر أن لا يبقى عليك منها دفين هوى كامن فيك فيوقفك ذلك عن النفاذ والترقي ولا يقدر شيخك ينقلك عن ذلك خطوة ما دمت كذلك فاسمع له وأطع. وسئل رضي الله عنه عن المعرفة بالله هل هي كسب ضرورة فقال رضي الله عنه: رأيت الأشياء تدرك بشيئين فما كان منها حاضرا فبالحسن، وما كان منها غائبا فبالدليل، ولما كان الحق تعالى غير باد لحواسنا كانت معرفته بالدليل والفحص إذ كنا لا نعلم الغيب والغائب إلا بالدليل ولا نعلم الحاضر إلا بالحس، وكان رضي الله عنه يقول: ما رأيت أحدا عظم الدنيا فقرت عينه فيها أبدا إنما تقر فيها عين من حقرها، وأعرض عنها، وكان يقول: من فتح على نفسه باب نية حسنة فتح الله عليه سبعين بابا من التوفيق، ومن فتح على نفسه باب نية سيئة، فتح الله عليه سبعين بابا من الخذلان من حيث لا يشعر، وكان رضي الله عنه يقول: ما احتشم صاحب من صاحبه أن يسأله حاجة إلا لنقص في أحدهما وكان يقول: إن للعلم ثمنا فلا تعطوه حتى تأخذوا ثمنه قيل له وما ثمنه قال: وضعه عند من يحسن حمله ولا يضيعه. وقيل له مرة ما بال أصحابك يأكلون كثيرا فقال: لأنهم يجوعون كثيرا قيل له: فما بالهم لا تهمهم قوة شهوة فقال: لأنهم لم يذوقوا طعم الزنا ويأكلون الحلال قيل له: فما بالهم إذا سمعوا القرآن لا يطربون قال: وأي شيء في القرآن يطرب في الدنيا القرآن حق نزل من عند حق لا يليق بصفات الخلق عند كل حرف منه على الخلق واجب لا يخرجهم منه إلا الوفاء لله عز وجل به، فإذا سمعوه في الآخرة من قائله أطربهم قيل له: فما بالهم يسمعون القصائد والأشعار
Bogga 73