Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Daabacaha
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Sanadka Daabacaadda
1315 هـ
فافترقا، قال رضي الله تعالى عنه ثم إن كثيرا من المنكرين لو رأوا أحدا من الأولياء، والصالحين يطير في الهواء، لقالوا هذا سحر واستخدامات للجن، والشياطين، ولا شك أن من حرم التوفيق كذب بالحق عيانا، وحسا، فكيف حال هذا في تصديقه بالمغيبات التي أمر الله تعالى بالإيمان بها، فربما زلت به القدم فخسر الدارين، لأنه إذا أنكر المحسوسات، فبالحقيق إنكاره المغيبات، وقد كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: الإنكار فرع من النفاق.
قلت: وذلك لن المنافقين لو لم ينكروا على محمد صلى الله عليه وسلم لآمنوا به ظاهرا، وباطنا ثم قال اليافعي رضي الله تعالى عنه: فوا عجبا كيف ينسب السحر، وفعل الشياطين إلى الأولياء المقربين، والأبرار الصالحين والمتطهري من الصفات المذمومة، المتحلين بالصفات المحمودة المعرضين عن كل شيء يشغلهم عن ربهم عز وجل.
فإياك يا أخي بعد اطلاعك على ما بينته لك في هذه المقدمة من علو شأن أهل الله عز وجل من أهل عصرك، وغيرهم أن يقوم بك داء الحسد، ولا تذعن للانقياد لهم، وتسمع من بعض المنكرين لعيهم ما يقولونه في حقهم، فيفوتك منهم خير كثير، كما فاتك الخير في عدم علمك بكلامهم الذي هو كله نصح لك حين وزنته بميزان عقلك الجائر، فإن الكلام لم يزل في هذه الطائفة من عصر ذي النون المصري وأبي يزيد البسطامي إلى وقتنا هذا، بل نقل سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه: أنهم تكلموا في جماعة من الصحابة، ونسبوهم إلى الرياء، والنفاق منهم الزبير رضي الله عنه كان كثير الخشوع في الصلاة، وكان بعضهم يقول: إنما هو مراء فبينما الزبير رضي الله عنه ساجدا، إذ صبوا على وجهه، ورأسه ماء حار فكشط وجهه، وهو لا يشعر، فلما فرغ من صلاته، وصحا قال: ما هذا فأخبروه فقال رضي الله عنه: غفر الله تعالى لهم ما فعلوا، ومكث زمانا يتألم من وجهه.
قلت: ودليل هذا كله قوله تعالى: " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا " الفرقان: 20 وكل ولي له من تلك الفتنة الحظ الوافر، وذلك لأن الابتلاء لما كان شرفا، جمع الله تعالى لخواص هذه الأمة من البلايا، والمحن جميع ما كان متفرقا في الأمم السالفة لعلو درجتهم عنده، ونقل الثقات عن أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه أنهم نفوه من بلده سبع مرات، فإنه لما رجع إلى بسطام من سفرته، وتكلم بعلوم لا عهد لأهل بلده بها من مقامات الأنبياء، والأولياء أنكر ذلك الحسين بن عيسى البسطامي إمام ناحيته، والمدرس بها في علم الظاهر، وأمر أهل بلده أن يخرجوا أبا يزيد من بسطام، فأخرجوه، ولم يعد إليها إلا بعد موت حسين المذكور، ثم بعد ذلك ألفه الناس، وعظموه، وتبركوا به، ثم لم يزل يقول له قائم بعد قائم، وهو ينفي ثم استقر أمره على تعظيم الناس له، والتبرك به إلى وقتنا هذا، وكذلك وقع لذي النون المصري رضي الله عنه أنهم وشوا به إلى بعض الحكام، وحملوه من مصر إلى بغداد مغلولا مقيدا، فكم الخليفة، فأعجبه فقال: إن كان هذا زنديقا، فما على وجه الأرض مسلم كما يأتي في ترجمته، وكذلك وقع لسمنون المحب رضي الله عنه محنة عظيمة، وادعت عليه امرأة كانت تهواه، وهو يأبى نه يأتيها في الحرام هو وجماعة من الصوفية، وامتلأت المدينة بذلك، ثم إن الخليفة أمر بضرب عنق سمنون، وأصحابه فمنهم من هرب، ومنهم من توارى سنين حتى كف الله عنهم ذلك، وكذلك وقع أنهم رموا أبا سعيد الخراز، وأفتى العلاء بتكفيره بألفاظ وجدوها في كتبه، منها لو قلت من أين وإلى أين، لم يكن جوابي غير الله مع ألفاظ أخرى، وتعصب مرة فقهاء أخميم على ذي النون المصري رضي الله عنه، ونزلوا في زورق ليمضوا إلى السلطان بمصر ليشهدوا عليه بالكفر، فأعلموه بذلك فقال: اللهم إن كانوا كاذبين فغرقهم، فانقلب الزورق، والناس ينظرون فغرقوا حتى رئيس المركب فقيل له: ما بال الرئيس؟ فقال قد حمل الفساق، وأخرجوا سهل بن عبد الله رضي الله عنه من بلده إلى البصرة، ونسبوه إلى قبائح، وكفروه، ولم يزل بالبصرة إلى أن مات بها هذا مع علمه، ومعرفته، واجتهاده، وذلك أنه كان يقول: التوبة فرض على العبد في كل نفس فتعصب عليه الفقهاء في ذلك لا غير.
وقتل حسين الحلاج بدعوة عمرو بن عثمان المكي، وذلك أنه كان عنده جزء فيه علوم الخاصة من القوم فأخذه الحسين فقال عمرو من أخذ هذا الكتاب قطعت يداه، ورجلاه، فكان كذلك، وإنما كان القول بتكفيره تسترا على دعوة عمرو، كما سياتي عن ابن خلكان، وشهدوا على الجنيد رضي الله عنه، حين كان يقرر في علم التوحيد، ثم
Bogga 13