33

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Daabacaha

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Lambarka Daabacaadda

الثانية

Sanadka Daabacaadda

1402 AH

Goobta Daabacaadda

دمشق

كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُتَكَلِّمَةِ، كَالزَّمَخْشَرِيِّ فِي كَشَّافِهِ، وَغَيْرِهِ مِنَ النُّظَّارِ، فَهَذَا إِنَّمَا يَلِيقُ بِرَحْمَةِ الْمَخْلُوقِ، لَا بِرَحْمَةِ الْخَالِقِ - تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، وَبَيْنَهُمَا بَوْنٌ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْعِلْمُ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ عِلْمِهِ - تَعَالَى - الْقَائِمَةَ بِهِ لَيْسَتْ مِثْلَ الْحَقِيقَةِ الْقَائِمَةِ بِالْمَخْلُوقِ، بَلْ نَفْسُ الْإِرَادَةِ الَّتِي يَرُدُّ بَعْضُهُمُ الرَّحْمَةَ إِلَيْهَا، هِيَ فِي حَقِّهِ - تَعَالَى - مُخَالِفَةٌ لِإِرَادَةِ الْمَخْلُوقِ، إِذْ هِيَ فِي الْمَخْلُوقِ مَيْلُ قَلْبِهِ إِلَى الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رَدَّ الزَّمَخْشَرِيُّ لَهَا فِي حَقِّهِ - تَعَالَى - إِلَى الْفِعْلِ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ وَالتَّفْضِيلِ، فَإِنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ الِاخْتِيَارِيَّ إِنَّمَا يَكُونُ لِجَلْبِ نَفْعٍ لِلْفَاعِلِ، أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ عَنْهُ، وَلَا كَذَلِكَ فِعْلُهُ - تَعَالَى، فَمَا فَرَضَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ مَوْجُودٌ فِيمَا فَرُّوا إِلَيْهِ مِنَ الْمَحْذُورِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى دَعْوَى الْمَجَازِ فِي رَحْمَتِهِ - تَعَالَى، فَإِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَهُوَ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلَا تَعَذُّرَ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَيْضًا مِعْيَارُ الْمَجَازِ صِحَّةُ نَفْيِهِ، كَمَا إِذَا قِيلَ: زَيْدٌ أَسَدٌ، أَوْ بَحْرٌ، أَوْ قَمَرٌ، لِشَجَاعَتِهِ، أَوْ كَرَمِهِ، أَوْ حُسْنِهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ: زَيْدٌ لَيْسَ بِأَسَدٍ، أَوْ لَيْسَ بِبَحْرٍ، أَوْ لَيْسَ بِقَمَرٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ لَيْسَ بِرَحِيمٍ، فَلَوْ كَانَتِ الرَّحْمَةُ مَجَازًا فِي حَقِّهِ - تَعَالَى - لَصَحَّ ذَلِكَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَةُ كَمَالٍ، وَسَائِرُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ مَمْلُوءَةٌ بِذِكْرِهَا وَإِطْلَاقِهَا عَلَيْهِ - تَعَالَى، وَمِنَ الْعَجَبِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَةُ الْعَظِيمَةُ حَقِيقَةً فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ، مَجَازًا فِي حَقِّ الْخَالِقِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّفَةَ تَارَةً تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَتَارَةً تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ قِيَامِهَا بِهِ - تَعَالَى. وَتَارَةً مِنْ حَيْثُ قِيَامِهَا بِغَيْرِهِ تَعَالَى. وَلَيْسَتِ الِاعْتِبَارَاتُ مُتَمَاثِلَةً، إِذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، وَالْكَلَامُ عَلَى الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَنِ الْكَلَامِ فِي الذَّاتِ، فَكَمَا أَنَّا نُثْبِتُ ذَاتًا لَيْسَتْ كَالذَّوَاتِ، فَلْنُثْبِتْ رَحْمَةً لَيْسَتْ كَرَحْمَةِ الْمَخْلُوقِ، كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ وَقَرَّرَهُ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ وَحَرَّرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ ﵀ فِي الْبَدَائِعِ. [فوائد تتعلق بالبسملة] [الفائدة الأولى في بدأ الكتاب بالبسملة] فَوَائِدُ (الْأُولَى): إِنَّمَا بَدَأَ الْمُصَنِّفُونَ كُتُبَهُمْ بِالْبَسْمَلَةِ، تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ ﷺ وَاقْتِدَاءً بِهِ فِي مُكَاتَبَاتِهِ لِلْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ، وَامْتِثَالًا لِقَوْلِهِ ﷺ: " «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ

1 / 33