Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Daabacaha
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Daabacaad
الثانية
Sanadka Daabacaadda
1402 AH
Goobta Daabacaadda
دمشق
Noocyada
Caqiidada iyo Mad-habada
الِاسْمِ مِنَّا لِأَنَّكُمْ تُثْبِتُونَ الْقَدَرَ، وَنَحْنُ نَنْفِيهِ، وَمُثْبِتُهُ أَحَقُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مِنْ نَافِيهِ، فَأَنْتُمُ الدَّاخِلُونَ تَحْتَ وَعِيدِ الْحَدِيثِ دُونَنَا. فَأَجَابَهُمُ الْمُثْبِتُونَ بِأَنَّكُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ ; لِأَنَّكُمْ تُثْبِتُونَ الْقَدَرَ لِأَنْفُسِكُمْ وَنَحْنُ نَنْفِيهِ عَنْ أَنْفُسِنَا، وَمُثْبِتُ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ أَوْلَى بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مِمَّنْ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَيْضًا هَذَا الْحَدِيثُ يُبْطِلُ مَا قَالُوهُ، فَإِنَّهُ قَالَ ﷺ: " «الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» " وَمَعَنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لِمُشَابِهَتِهِمُ الْمَجُوسَ فِي مَذْهَبِهِمْ وَقَوْلِهِمْ بِالْأَصْلَيْنِ، وَهُمَا النُّورُ وَالظُّلْمَةُ.
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، فَلَا يُهْمَلْ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْمُفَرِّطُونَ فَالْجَبْرِيَّةُ وَهُمُ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا، وَأَنَّ حَرَكَاتِهِ بِمَنْزِلَةِ حَرَكَاتِ الْجَمَادَاتِ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا قَصْدَ وَلَا اخْتِيَارَ، فَأَثْبَتُوا أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَهَذَا جَيِّدٌ، لَكِنْ نَفَوْا تَأْثِيرَ الْأَسْبَابِ، وَالْحِكَمِ فِي الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ لِلْحَيَوَانِ مِنَ الْإِنْسَانِ أَوْ غَيْرِهِ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ بِقُدْرَتِهِ، وَحَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مَرْجُوحٍ، وَحُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -: قَابَلَ الْقَدَرِيَّةَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْعُبَّادِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ، وَالتَّصَوُّفِ، فَأَثْبَتُوا الْقَدَرَ وَآمَنُوا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا حَسَنٌ، لَكِنَّهُمْ قَصَّرُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَأَفْرَطُوا حَتَّى غَلَا بِهِمُ الْأَمْرُ إِلَى الْإِلْحَادِ فَصَارُوا مِنْ جِنْسِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨] قَالَ: فَأُولَئِكَ الْقَدَرِيَّةُ، وَإِنْ كَانُوا يُشْبِهُونَ الْمَجُوسَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ أَثْبَتُوا فَاعِلًا لِمَا اعْتَقَدُوهُ شَرًّا غَيْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَهَؤُلَاءِ شَابَهُوا الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨] فَالْمُشْرِكُونَ شَرٌّ مِنَ الْمَجُوسِ ; لِأَنَّ الْمَجُوسَ يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى حِلِّ نِسَائِهِمْ وَطَعَامِهِمْ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ نِسَائِهِمْ. وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لَا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْقَدَرَ وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى إِبْطَالِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ
1 / 306