Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Daabacaha
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Sanadka Daabacaadda
1402 AH
Goobta Daabacaadda
دمشق
Noocyada
Caqiidada iyo Mad-habada
وَمَحَبَّتِهِ. فَإِنْ قُلْتَ: لَا أَعْقِلُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ إِلَّا هَذَا، قَالَ لَكَ النُّفَاةُ: وَنَحْنُ لَا نَعْقِلُ مِنَ الْإِرَادَةِ إِلَّا هَذَا، وَمَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ أَنَّ إِرَادَتَنَا وَمَحَبَّتَنَا وَرَحْمَتَنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا، وَإِرَادَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَرَحْمَتَهُ تَعَالَى بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلِينَ فَيُثْبِتُ لَهُ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَيَنْفِي الْأُخْرَى، وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ وَلَا فِي السَّمْعِ مَا يُوجِبُ التَّفْرِيقَ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي التَّدْمُرِيَّةِ: الْقَوْلُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ كَالْقَوْلِ فِي بَعْضٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ مِمَّنْ يُقِرُّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَيٌّ بِحَيَاةٍ، عَلِيمٌ بِعِلْمٍ، قَدِيرٌ بِقُدْرَةٍ، سَمِيعٌ بِسَمْعٍ، بَصِيرٌ بِبَصَرٍ، مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ، مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ حَقِيقَةً، وَيُنَازِعُ فِي مَحَبَّتِهِ تَعَالَى وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَكَرَاهَتِهِ، فَيَجْعَلُ ذَلِكَ مَجَازًا وَيُفَسِّرُهُ إِمَّا بِالْإِرَادَةِ، وَإِمَّا بِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ النِّعَمِ وَالْعُقُوبَاتِ، قِيلَ لَهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا نَفَيْتَهُ وَبَيْنَ مَا أَثْبَتَّهُ، بَلِ الْقَوْلُ فِي أَحَدِهِمَا كَالْقَوْلِ فِي الْآخَرِ، فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ إِرَادَتَهُ مِثْلُ إِرَادَةِ الْمَخْلُوقِينَ، فَكَذَلِكَ مَحَبَّتُهُ وَرِضَاهُ وَغَضَبُهُ، وَهَذَا هُوَ التَّمْثِيلُ، وَإِنْ قُلْتَ: لَهُ إِرَادَةٌ تَلِيقُ بِهِ كَمَا أَنَّ لِلْمَخْلُوقِ إِرَادَةً تَلِيقُ بِهِ، قِيلَ لَكَ: وَكَذَلِكَ لَهُ مَحَبَّةٌ تَلِيقُ بِهِ، وَلَهُ تَعَالَى رِضًا وَغَضَبٌ يَلِيقُ بِهِ، وَلِلْمَخْلُوقِ رِضًا وَغَضَبٌ يَلِيقُ بِهِ، فَإِنْ قَالَ: الْغَضَبُ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ لِطَلَبِ الِانْتِقَامِ، قِيلَ لَهُ: وَالْإِرَادَةُ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى جَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ، فَإِنْ قُلْتَ: هَذِهِ إِرَادَةُ الْمَخْلُوقِ، قِيلَ لَكَ: وَهَذَا غَضَبُ الْمَخْلُوقِ.
وَكَذَلِكَ يُلْزَمُ بِالْقَوْلِ فِي عِلْمِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَقُدْرَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا الْمُفَرِّقُ بَيْنَ بَعْضِ الصِّفَاتِ وَبَعْضٍ يُقَالُ لَهُ فِيمَا نَفَاهُ كَمَا يَقُولُهُ هُوَ لِمُنَازِعِهِ فِيمَا أَثْبَتَهُ، فَإِنْ قَالَ: تِلْكَ الصِّفَاتُ أَثْبَتَّهَا بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ دَلَّ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَالتَّخْصِيصَ دَلَّ عَلَى الْإِرَادَةِ، وَالْإِحْكَامَ دَلَّ عَلَى الْعِلْمِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْحَيَاةِ، وَالْحَيُّ لَا يَخْلُو عَنِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ أَوْ ضِدِّ ذَلِكَ، قَالَ لَهُ سَائِرُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ لَكَ جَوَابَانِ:
(أَحَدُهُمَا): أَنْ يُقَالَ: عَدَمُ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْمَدْلُولِ الْمُعَيَّنِ فَهَبْ أَنَّ مَا سَلَكْتَهُ مِنَ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفِيهِ، وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَنْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، لِأَنَّ النَّافِيَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ كَمَا عَلَى الْمُثْبِتِ، وَالسَّمْعُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ مُعَارِضٌ عَقْلِيٌّ، وَلَا سَمْعِيٌّ، فَيَجِبُ إِثْبَاتُ مَا أَثْبَتَهُ الدَّلِيلُ
1 / 223