214

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Daabacaha

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Lambarka Daabacaadda

الثانية

Sanadka Daabacaadda

1402 AH

Goobta Daabacaadda

دمشق

قَالَ: فَلَا يَعْلَمُ مَا هُوَ إِلَّا هُوَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ " «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» " وَهَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ» " وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ، وَصَحِيحِ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ فِيهِ أَنَّ لِلَّهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ مَا اسْتَأْثَرَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ، فَمَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي اسْتَأْثَرَ بِهَا فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ لَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا اتَّفَقَتْ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى ذَاتِ اللَّهِ مَعَ تَنَوُّعِ مَعَانِيهَا، فَهِيَ مُتَّفِقَةٌ مُتَوَاطِئَةٌ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ، مُتَبَايِنَةٌ مِنْ جِهَةِ الصِّفَاتِ، فَهِيَ مُتَرَادِفَةٌ بِحَسَبِ الذَّاتِ مُتَبَايِنَةٌ بِحَسَبِ الصِّفَاتِ
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْغَيْبِ أَعْظَمُ مِمَّا يُعْلَمُ فِي الشَّاهِدِ، وَفِي الْغَائِبِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بِشْرٍ، فَنَحْنُ إِذَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ بِالْغَيْبِ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، عِلْمَنَا مَعْنَى ذَلِكَ، وَفَهِمْنَا مَا أُرِيدَ مِنَّا فَهْمُهُ بِذَلِكَ الْخِطَابِ وَفَسَّرْنَا ذَلِكَ، وَأَمَّا نَفْسُ الْحَقِيقَةِ الْمُخْبَرِ عَنْهَا مِثْلَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ بَعْدُ وَإِنَّمَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، انْتَهَى.
وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ إِلَّا الِاسْمُ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: يَعْرِفُونَ أَسْمَاءَهُ كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا بِالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَهُ فِي الطَّعْمِ. وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ " «أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَعَلَّمَهُ صَنْعَةَ كُلِّ شَيْءٍ وَزَوَّدَهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَثِمَارُكُمْ هَذِهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، غَيْرَ أَنَّهَا تَغَيَّرُ وَتِلْكَ لَا تَتَغَيَّرُ» ".
فَاللَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ لَا يَعْلَمُ عِبَادَهُ الْحَقَائِقَ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا مِنْ صِفَاتِهِ، وَصِفَاتِ الْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلَا يَعْلَمُونَ حَقَائِقَ مَا أَرَادَ بِخَلْقِهِ وَأَمْرِهِ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَلَا حَقَائِقَ مَا صَدَرَتْ عَنْهُ مِنَ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ، فَحَقِيقَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ﷾ مِنْ حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَمَالَهُ مِنَ الْجُنُودِ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي أَفْعَالِهِ فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: ٣١] وَهَذَا مِنْ تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ.

1 / 214