208

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Daabacaha

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Lambarka Daabacaadda

الثانية

Sanadka Daabacaadda

1402 AH

Goobta Daabacaadda

دمشق

" «يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَاوَاتِ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ» " وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: " «مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ، وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ، وَمَا فِيهِنَّ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ» ".
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " «وَإِنَّهُ لَيَدْحُوَهَا كَمَا يَدْحُو الصِّبْيَانُ بِالْكُرَةِ» " قَالَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مُنْحَازٌ عَنِ الْمَخْلُوقَاتِ أَيْ مُبَايِنٌ لَهَا وَمُنْفَصِلٌ عَنْهَا لَيْسَ حَالًّا فِيهَا فَهُوَ سُبْحَانُهُ كَمَا قَالَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ: فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ. كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّدْمُرِيَّةِ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي التَّدْمُرِيَّةِ أَيْضًا: أَمَّا عُلُوُّهُ تَعَالَى وَمُبَايَنَتُهُ لِلْمَخْلُوقَاتِ فَيَعْلَمُ بِالْعَقْلِ. وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ فَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ هُوَ السَّمْعُ، وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَصْفٌ لَهُ بِأَنَّهُ لَا دَاخِلَ الْعَالِمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَلَا مُبَايِنُهُ وَلَا مُدَاخِلُهُ، فَيَظُنُّ الْمُتَوَهِّمُ أَنَّهُ إِذَا وُصِفَ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ كَانَ اسْتِوَاؤُهُ كَاسْتِوَاءِ الْإِنْسَانِ عَلَى ظُهُورِ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ، كَقَوْلِهِ: وَسَخَّرَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ فَيَتَخَيَّلُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ كَحَاجَةِ الْمُسْتَوِي عَلَى الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ، فَتَعَالَى اللَّهُ وَتَقَدَّسَ، فَهَذَا خَطَأٌ فِي مَفْهُومِ اسْتِوَائِهِ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ مِثْلُ اسْتِوَاءِ الْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ الِاسْتِوَاءَ إِلَى نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ كَمَا أَضَافَ إِلَيْهِ سَائِرَ أَفْعَالِهِ وَصِفَاتِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ ثُمَّ اسْتَوَى، كَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ قَدَّرَ فَهَدَى، فَلَمْ يَذْكُرِ اسْتِوَاءً مُطْلَقًا يَصْلُحُ لِلْمَخْلُوقِ، وَلَا عَامًّا يَتَنَاوَلُ الْمَخْلُوقَ، كَمَا لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ صِفَاتِهِ.
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ تَعَالَى الْغَنِيُّ عَنِ الْخَلْقِ، وَأَنَّهُ الْخَالِقُ لِلْعَرْشِ وَلِغَيْرِهِ، وَإِنْ كُلَّ مَا سِوَاهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، هَلْ هَذَا جَهْلٌ مَحْضٌ، وَضَلَالٌ مِمَّنْ فَهِمَ ذَلِكَ وَتَوَهَّمَهُ، أَوْ ظَنَّهُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ، أَوْ جَوَّزَهُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ الْغَنِيِّ عَنِ الْخَلْقِ الْمَجِيدِ الْمُتَعَالِ.
[التنبيه الثاني عبارة للدواني في شأن الجهة]
(الثَّانِي) قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ مَا لَفْظُهُ: وَلِابْنِ تَيْمِيَّةَ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ مَيْلٌ عَظِيمٌ إِلَى إِثْبَاتِ الْجِهَةِ، وَمُبَالَغَةٍ فِي الْقَدْحِ فِي نَفْيِهَا، قَالَ: وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ بَدِيهَةِ الْعَقْلِ

1 / 208