Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Daabacaha
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Sanadka Daabacaadda
1402 AH
Goobta Daabacaadda
دمشق
Noocyada
Caqiidada iyo Mad-habada
مِنْ بَعْضٍ، فَسَمَاعُ مُوسَى مُطْلَقٌ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَسَمَاعُ النَّاسِ مُقَيَّدٌ بِوَاسِطَةٍ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى: ٥١]، فَفَرَّقَ بَيْنَ التَّكْلِيمِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ كَمَا كَلَّمَ مُوسَى وَكَلَّمَ نَبِيَّنَا ﷺ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَبَيْنَ التَّكْلِيمِ بِوَاسِطَةِ الرَّسُولِ كَمَا كَلَّمَ سَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ بِإِرْسَالِ رَسُولٍ إِلَيْهِمْ، وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ، تَكَلَّمَ بِحُرُوفِهِ وَمَعَانِيهِ بِصَوْتِهِ ﷺ، ثُمَّ الْمُبَلِّغُونَ عَنْهُ يُبَلِّغُونَ كَلَامَهُ بِحَرَكَاتِهِمْ وَأَصْوَاتِهِمْ، كَمَا قَالَ ﷺ: " «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ» "، فَالْمُسْتَمِعُ مِنْهُ يُبَلِّغُ حَدِيثَهُ كَمَا سَمِعَهُ لَكِنْ بِصَوْتِ نَفْسِهِ لَا بِصَوْتِ الرَّسُولِ، فَالْكَلَامُ كَلَامُ الرَّسُولِ، تَكَلَّمَ بِهِ بِصَوْتِهِ، وَالْمُبَلِّغُ بَلَّغَ كَلَامَ الرَّسُولِ بِصَوْتِ نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْلُومًا فِيمَنْ يُبَلِّغُ كَلَامَ الْمَخْلُوقِ، فَكَلَامُ الْخَالِقِ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ - تَعَالَى: ﴿فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦]، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» "، فَجَعَلَ الْكَلَامَ كَلَامَ الْبَارِي، وَجَعَلَ الصَّوْتَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ بِهِ الْعَبْدُ صَوْتَ الْقَارِئِ، وَأَصْوَاتُ الْعِبَادِ لَيْسَتْ هِيَ الصَّوْتَ الَّذِي يُنَادِي اللَّهُ بِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِهِ كَمَا نَطَقَتِ النُّصُوصُ بِذَلِكَ، بَلْ وَلَا مِثْلَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، فَلَيْسَ عِلْمُهُ كَمِثْلِ عِلْمِ الْمَخْلُوقِينَ، وَلَا قُدْرَتُهُ مِثْلَ قُدْرَتِهِمْ، وَلَا كَلَامُهُ مِثْلَ كَلَامِهِمْ، وَلَا نِدَاؤُهُ مِثْلَ نِدَائِهِمْ، وَلَا صَوْتُهُ مِثْلَ أَصْوَاتِهِمْ، فَمَنْ قَالَ عَنِ الْقُرْآنِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ الْمُسْلِمُونَ: لَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ، أَوْ هُوَ كَلَامُ غَيْرِهِ، فَهُوَ مُلْحِدٌ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَصْوَاتَ الْعِبَادِ أَوِ الْمِدَادَ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ الْقُرْآنُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، فَهُوَ مُلْحِدٌ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ، بَلْ هَذَا الْقُرْآنُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَهُوَ مُثْبَتٌ فِي الْمَصَاحِفِ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ مُبَلَّغًا عَنْهُ مَسْمُوعًا مِنَ الْقُرَّاءِ، لَيْسَ هُوَ مَسْمُوعًا مِنْهُ - تَعَالَى، فَكَلَامُ اللَّهِ قَدِيمٌ، وَصَوْتُ الْعَبْدِ مَخْلُوقٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَابِلَةِ كَسَائِرِ السَّلَفِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَتَكَلَّمُ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ. قَالَ الْإِمَامُ الْمُوَفَّقُ فِي رِسَالَتِهِ - الْبُرْهَانِ فِي حَقِيقَةِ الْقُرْآنِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٣]
1 / 138