105

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Daabacaha

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Lambarka Daabacaadda

الثانية

Sanadka Daabacaadda

1402 AH

Goobta Daabacaadda

دمشق

الْآخَرُ عَيْنَ مَا أَثْبَتَهُ هَذَا لِظَنِّهِ نَقْصًا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ سَلَّطُوا الْأَفْكَارَ عَلَى مَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْفِكْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَلَقَ الْعُقُولَ، وَأَعْطَاهَا قُوَّةَ الْفِكْرِ، وَجَعَلَ لَهَا حَدًّا تَقِفُ عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ مَا هِيَ مُفَكِّرَةٌ، لَا مِنْ حَيْثُ مَا هِيَ قَابِلَةٌ لِلْوَهْبِ الْإِلَهِيِّ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَتِ الْعُقُولُ أَفْكَارَهَا فِيمَا هُوَ فِي طَوْرِهَا وَحَدِّهَا وَوَفَّتِ النَّظَرَ حَقَّهُ، أَصَابَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَإِذَا سُلِّطَتِ الْأَفْكَارُ عَلَى مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ طَوْرِهَا وَوَرَاءَ حَدِّهَا الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ لَهَا، رَكِبَتْ مَتْنَ عَمْيَاءَ، وَخَبَطَتْ خَبْطَ عَشْوَاءَ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا قَدَمٌ، وَلَمْ تَرْتَكِنْ عَلَى أَمْرٍ تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ الَّتِي وَرَاءَ طَوْرِهَا مِمَّا لَا تَسْتَقِلُّ الْعُقُولُ بِإِدْرَاكِهَا مِنْ طَرِيقِ الْفِكْرِ وَتَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَاتِ، وَإِنَّمَا تُدْرِكُ ذَلِكَ بِنُورِ النُّبُوَّةِ وَوِلَايَةِ الْمُتَابَعَةِ، فَهُوَ اخْتِصَاصٌ إِلَهِيٌّ يُخْتَصُّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَأَهْلُ وِرَاثَتِهِمْ مَعَ حُسْنِ الْمُتَابَعَةِ، وَتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ مِنْ وَضَرِ الْبِدَعِ وَالْفِكَرِ مِنْ نَزَغَاتِ الْفَلْسَفَةِ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْعُقُولَ لَوْ كَانَتْ مُسْتَقِلَّةً بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَأَحْكَامِهِ، لَكَانَتِ الْحُجَّةُ قَائِمَةً عَلَى النَّاسِ قَبْلَ بَعْثِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالنَّصِّ، قَالَ - تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، وَقَالَ - تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾ [طه: ١٣٤]، فَكَذَا الْمَلْزُومُ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَجَبَتْ لِلَّهِ عَلَى الْخَلْقِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَانْقَطَعَتْ عَلَقَةُ الِاعْتِذَارِ، ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٣] ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥]، وَلَمَّا عَجَزَتِ الْعُقُولُ مِنْ طَرِيقِ الْفِكْرِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ الَّتِي هِيَ وَرَاءَ طَوْرِهَا وَمَنْحِهَا الْقَبُولَ، وَقَدْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ، وَأَنْزَلَ فِيهِ مَا حَارَتْ فِي إِدْرَاكِهِ الْعُقُولُ مِنَ الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ الَّتِي لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهَا إِلَّا اللَّهُ، أَمَرَنَا الشَّارِعُ بِالْإِيمَانِ بِهَا، وَنَهَانَا عَنِ التَّفْكِيرِ فِي ذَاتِ اللَّهِ رَحْمَةً مِنْهُ بِنَا وَلُطْفًا لِعَجْزِنَا عَنْ إِدْرَاكِهِ، فَإِنَّ تَسْلِيطَ الْفِكْرِ عَلَى مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ حَدِّهِ تَعَبٌ بِلَا فَائِدَةٍ، وَنَصَبٌ مِنْ غَيْرِ عَائِدَةٍ، وَطَمَعٌ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ، وَكَدٌّ مِنْ غَيْرِ مَنْجَعٍ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِالْإِيمَانِ بِالْمُتَشَابِهِ.

1 / 105