التي أنتجتها قرائح الصوفية فى شتى العصور، وربما يبدو فى ذلك بعض التعميم مع أن الأحكام العلمية ينبغى ألا تخضع للتعميم لأننا لا نستطيع أن ندّعى المعرفة الشاملة بكل التراث الصوفي، ونعترف أن عشرتنا مع الكتاب وصاحبه عشر سنوات كاملة أثناء إعداد بحثى الماجستير والدكتوراه فى الموضوعات الصوفية، ونعترف أن حماسنا لما نلحظه من الاعتدال عند القشيري دون سائر الباحثين، ونعترف أنّ ما كنا نشعر به من وجوه النقص فى سائر المصنّفات التي نهض بها غيره فى هذا الخصوص- كلّ ذلك ربما كان الدافع إلى لجوئنا إلى هذا الحكم الذي سقناه.
ومن أعجب الأمور أن القشيري يشتهر «بالرسالة» التي لا تخرج عن كونها مجموعة من الأسانيد المنسوبة إلى الشيوخ فى موضوعات بعينها، ومجموعة من التراجم لأبرز الشيوخ الذين ظهروا منذ نهاية القرن الثاني الهجري حتى بداية القرن الخامس فى صفحات قليلة ربّما أغنت عنها الكتب المطوّلة التي وضعت خصيصا لهذا الغرض مثل تذكرة العطار أو طبقات السلمى أو طبقات الشعراني ونحوها. ومع تقديرنا «للرسالة» إلا أننا لا نعتبرها بحال من الأحوال أفضل أعمال القشيري، وأنها ظلمته حين شهرته، وحين أوقفت اسمه عليها، وأصبح حتما منذ الآن أن يقول الناس «القشيري صاحب اللطائف» لا صاحب «الرسالة» . فاللطائف هى أبلغ أعماله التي تزيد على العشرين- فى نقل صورة واضحة لشخصيته، ولست أدرى لماذا لم يجد هذا الكتاب ما هو جدير به من الاهتمام فى العصور الماضية؟ لماذا حكم عليه دائما أن يبقى فى منطقة الظل؟ حتى صار ما نعرفه عن نسخه كما نفهم من «تذكرة النوادر» وكما يقول بروكلمان- محدودا ومبعثرا بين روما وبرلين واسطنبول وتونس والهند والقاهرة، ومعظمها كما سنذكر بعد قليل غير كامل.
ولكى ندرك أهمية هذا الكتاب فى تصحيح كثير من المقاييس العلمية عن التصوف والتفسير الصوفي لا بدّ لنا أن نلم بشىء من سيرة صاحبه، ونكتفى من معالم هذه السيرة بما يمكن أن يتبرر به وصول هذا العمل الجليل بتلك الأوصاف وإلى تلك النتائج. وذلكم هو العامل الثاني لأهمية نشر هذا الكتاب:
ثانيا: صاحب هذا الكتاب هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد القشيري، ولقبه زين الإسلام، وشهرته القشيري.
1 / 7