Lamha Latifa
اللمحة اللطيفة في ذكر أحوال كسوة الكعبة الشريفة
Noocyada
وقد كان مولانا السلطان -خلد الله تعالى ملكه- في مجلسه الشريف حين وقف هذا الوقف المبارك، سأل من حضر مجلس الوقف عن هذه المسألة، فأجيب بالأمر الواقع لأن من بني شيبة. لا بما وقع من الاختلاف بين العلماء بالجواب الذي يزيل الريبة وما أمكن إذ ذاك بسط القول، وإلى الله أبرأ من القوة والحول -ثم أقول: اختلف الناس في هذه المسألة قديما وحديثا، وأصله الحديث الذي قدمنا ذكره، رواه البخاري في الصحيح من حديث شيبة عن عمر رضي الله عنه وقوله هما المرءان أقتدي بهما، يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه، قال شراح البخاري: الكسوة لما كانت مالا من الأموال دخلت في عموم لفظ عمر رضي الله عنه، ورأيه في تفريق ما صدق عليه اسم مال على الفقراء والمساكين، وإن لم يجر للكسوة ذكر، قالوا: هذا من دقيق فهم البخاري، وقد قالوا: أن فقه كتابه في تراجمه وهذا على عادته في الاستنباط وعند ابن ماجه وغيره مال الكعبة يشمل الكسوة وغيرها، وكسوة البيت إضافة للتخصيص كما نقول: سرج الدابة ولجام الفرس، وقد قال عليه السلام: وهل لك من مالك إلا ما لبست فأبليت، وقال ابن المنير: يحتمل أنه يريد التنبيه على حل الكسوة، وهل يجوز التصرف فيما عتق منها كما يصنع الآن ؟ فنبه على أنه موضوع اجتهاد وبأن مقتضى رأي عمر أن يقسم في المصالح، وأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه لم يفعلا ذلك، ثم قال: والظاهر جواز قسمة الكسوة العتيقة إذ بقاؤها تعريض لفسادها بخلاف النقدين، وأي جمال في كسوة عتيقة مطرحة، هذا كلامه، أقول: وفي تاريخ مكة للأزرقي عن ابن جريج قال: جرد شيبة بن عثمان الكعبة قبل الحريق عن ثياب كان أهل الجاهلية يكسونها ((إليها))، ثم خلقها، وطيبها، وكان شيبة يكسو تلك الثياب الناس، فرأى على امرأة حايض ثوبا من كسوة الكعبة حتى هلكت -أعني الثياب- وفيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن شيبة بن عثمان دخل عليها فقال: يا أم المؤمنين ليجتمع عليها الثياب فتكثر فنعمد إلى محل في حفرة وتعمقه فندفن فيه ثياب الكعبة كل لا يلبسها الحايض والجنب، قالت عائشة رضي الله عنها: ما أصبت وبئس ما صنعت [لا تعد لذلك فإن ثياب الكعبة] إذا نزعت عنها لا يضرها من لبسها من حايض وجنب، ولكن بعها واجعل ثمنها في سبيل الله للمساكين وابن السبيل، وفيه عن ابن عباس مثله، وأجاب بجواب عائشة، وفيه أيضا أم سلمة كذلك، أقول: وفي شروح المهذب للنواوي رحمه الله، قال صاحب التلخيص وهو أبو المعالي من أكابر أصحاب الشافعية: لا يجوز بيع أستار الكعبة المشرفة، وكذا قال أبو الفضل بن عبدان: لا يجوز قطع أستارها، وكذا قال الحليمي: لا ينبغي أن يتعرض إلى أستارها بشيء، وقال الشيخ تقي الدين أبو عمرو بن الصلاح الأمر فيها إلى الإمام يصرفه في بعض مصارف بيت المال بيعا وعطاء، واحتج بما ذكره الأزرقي أن عمر رضي الله عنه كان ينزع كسوة البيت في كل سنة فيقسمها على الحاج، أقول: وقد تقدم النقل عن الأزرقي أن ابن عباس، وعائشة، وأم سلمة رضوان الله عليهم أقروا شيبة على فعله في كسوة الكعبة لمن شاء، وأمرته عائشة أن يبيعها ويصرفها في سبيل الله، ولم ينكروا عليه إلا دفنها وتعريضها للبلاء من غير نفع، وهذا يدل على أن ما يفعله بنو شيبة الآن كان مشروعا في الزمن السالف من زمن الصحابة رضي الله عنهم، ثم قال النواوي في الروضة، والذي اختاره الشيخ ابن الصلاح حسن متعين لئلا تتلف بالبلاء، وبه قال ابن عباس، وعائشة، وأم سلمة هذا كلامه، وفيه المناقشة؛ لأن مقتضى ما أسنده ابن الصلاح إلى الأزرقي عن فعل عمر أن التصرف للإمام، ومقتضى ما نقله عن عائشة وغيرها أن التصرف لشيبة، وهو ما عليه الناس الآن مع بنية فليتأمل، وفي الروضة في باب السرقة: أنه إذا سرق السارق شيئا من أستار الكعبة المخيطة عليها، قطع السارق فإنها محترزة بالخياطة، وفي باب الوقف في الروضة أو أستار الكعبة إذا لم يبق فيها منفعة ولا جمال في جواز بيعها وجهان:
أصحهما [الأول]: تباع لئلا تضيق وتضيق المكان بلا فائدة.
Bogga 158