في العام 1849 أصدر لامرتين قصتين هما: «غرازييلا»، وهي التي عرضنا لها في بدء هذا الكتاب، و«رفائيل»، وهي صفحات حب عرض فيها الشاعر حبه العظيم لمدام شارل أو جوليا بوشو، وكان قد كتب هذه القصة قبل سنتين على أن لا ينشرها في حياته، ثم عدل عن عزمه هذا إلى عزم آخر، وهو أن ينشرها على نفقته الخاصة. ولما صدرت هذه القصة الدامية نجحت نجاحا كبيرا جدا ودرت عليه مبالغ طائلة.
وحي الماضي
على أن هذه المبالغ لم تكن كافية لسد حاجة لامرتين ودائنيه معا، فكان عليه أن يبيع ما ورثه عن آبائه؛ ففي شهر أيلول من العام 1849 أذاع في جريدته «مستشار الشعب» عزمه على بيع قصر ميللي وحدائقه المقدسة. قال: «إن فرنسا صماء، أما أنا فقد بدأت ببيع ميللي ومونسو، وأشعر بأني أصبحت ضيفا في بيتي.»
على أن رجاء واحدا بقي له، وهو أن يستثمر مؤلفاته السابقة، وكان حق الطبع قد عاد إليه، فصحت عزيمته على أن يطبع مؤلفاته على نفقته الخاصة، فجمع من شعره «التأملات» و«الإيقاعات الشعرية» و«موت سقراط» و«شيلد هارولد» و«جوسلين»، ولم يجمع من نثره إلا «الرحلة إلى الشرق» وأجمل خطبه السياسية. ولكي يدفع الجمهور إلى اقتناء هذه الطبعات الجديدة مهرها جميعها بمقدمات.
الرحلة الثانية إلى الشرق
كان السلطان عبد المجيد قد وهب لامرتين - جزاء له على إنشاده الشرق في شعره وفي كتابه عن الشرق - قطعة من الأرض مساحتها عشرون ألف هكتار، كائنة في آسيا الصغرى على مقربة من إزمير، فلما ضاقت الحياة في وجهه، أخذ يحلم باستثمار هذه الأرض؛ على أنه لم يكن قد زارها بعد، فصحت عزيمته على القيام برحلة ثانية إلى الشرق. وفي 21 حزيران 1850 سافر إلى تركيا تصحبه زوجته وابنة شقيقته فالانتين، وصديقان هما ده شانبو وده شانبوران.
على أن استثمار هذه الأرض كان يقتضي رأسمالا كبيرا، وإذ لم يقع الشاعر على من يسلفه المبلغ المطلوب، أعاد الأرض إلى السلطان على أن يدفع له هذا الأخير بدلا عنها دخلا سنويا ... ويظهر أن السلطان لم ينزل عند هذه الرغبة، فعاد لامرتين إلى فرنسا صاحبا معه سفرا جديدا عن رحلته الثانية.
الأشغال الأدبية الشاقة
على أن هوة الديون كانت تعمق من يوم إلى يوم حتى أصبحت لجة، وكان على الشاعر أن يكتب ويكتب ويكتب ليفي بعضا من هذه الديون ويحافظ على بسطة عيشه؛ وما هي بضع سنوات حتى نشر «تاريخ الجيروندين» و«تاريخ الانقلاب» و«تاريخ تركيا» و«تاريخ روسيا»، وبقي ثلاث عشرة سنة - من العام 1856 إلى 1869؛ أي إلى آخر حياته - يصدر كل شهر مجلة أدبية يحررها وحده.
أما المجلة هذه فكانت تتضمن تاريخ الأدب الفرنسي؛ ولقد جمعت في ثمانية وعشرين مجلدا، يحتوي كل منها خمسماية صفحة، درس فيها الشاعر عددا كبيرا من روائع الأدب العالمي؛ كأدب دنتي وله تاس وشكسبير وهوميروس وشيشرون وتاسيت وأريستوت وميكل أنجلو وموزار وغيرهم، وكما درس أدب العصور الماضية هكذا درس أدب عصره بمطلق الحرية.
Bog aan la aqoon