وهناك عيلتان عربيتان تتناولان الغذاء في ظلال شجرة تخيم على عتبة دارهما، وعلى مقربة منهما - تحت شجرة أخرى - فتاتان سوريتان لا يقع النظر على أجمل منهما، ترتديان ثيابهما في الهواء الطلق، وتملآن شعورهما أزهارا بيضاء وحمراء؛ إحداهما ذات شعر مستطيل كثيف يوشك أن يغطي جملة جسدها، كأنما هو أغصان صفصافة باكية تتدلى على جذعها فتحجبه من جميع أطرافه، إلا أنها عندما تحرك تلك الشعور الخصبة يبين من تحتها جبينها الجميل، ومقلتاها المتألقتان بغبطة ساذجة، وكأني بها مرتاحة إلى إعجابنا بها.
لقد ألقيت إليها قبضة من الغازي، وهي قطع صغيرة من الذهب تعلقها السوريات بخيط من الحرير فتصنع منها عقودا وسوارات، فجمعت كلتا يديها ورفعتهما إلى رأسها لتشكرني، ثم دخلت إلى الغرفة السفلى لتراها أمها وأختها.»
وقال يصف جبال لبنان: «لم يسبق لي أن تأثرت بروعة جبال في العالم كما تأثرت بروعة جبال لبنان؛ فللبنان طابع لم أقع على مثله ، لا في جبال الألب ولا في جبل طوروس، فهو مزيج من روعة الخطوط والقمم، وجمال التقاطيع وتنوع الألوان.
ولبنان جبل عظيم كاسمه، فهو جبال الألب تحت سماء آسيا التي تغمس قممها الهوائية في صفاء عميق من جمال أزلي.
ويخيل إلي أن الشمس تستريح إلى الأبد في زوايا تلك الهضبات الذهبية، وأن البياض الساحر الذي تنطبع به يختلط ببياض الثلوج التي تبقى إلى منتصف الصيف على القمم المرتفعة.»
وقال يصف في بيروت مآذن الجوامع والقلاع: «عندما انحدرت إلى الجهة المعاكسة للبحر شاهدت مآذن الجوامع العالية، شبيهة بأعمدة مهجورة، تنتصب في أديم الصباح الأزرق المتموج، ووقع نظري على القلاع المغربية التي تخيم على المدينة، والتي تعشش في جدرانها المهجورة أغراس من التين البري والقرنفل وغيره.»
لامرتين ولادي إستانهوب
بينا لامرتين يجول في جبال لبنان استقبلته لادي إستانهوب، وهي امرأة إنكليزية متصوفة، كانت منذ سنوات تقيم في لبنان على أكمة صعبة المسالك، تحف بها بهرجة وأبهة، كأنما هي أميرة خطيرة من أميرات الأساطير! وكانت تزعم أنها تقرأ في الغيب وتعرف حظوظ البشر.
على أن حقيقة هذه المرأة لا تزال مبهمة؛ فمن الناس من يقول إنها ساحرة، ومنهم من يقول إنها عميلة سياسية لدولة إنكلترا ... ولكن الأمر الذي اتفق عليه هو أنها تنبأت للامرتين بأنه سيرقى في السياسة إلى ذروة عالية.
قال لامرتين يتكلم عن زيارته للادي إستير إستانهوب: «نهضت لادي إستانهوب عن مقعدها الشرقي، وتقدمت نحوي بقوامها الفخور، مادة إلي يدها وقالت: لقد جئت من بعيد لترى ناسكة، فمرحبا بك. لست لأستقبل إلا القليل من الغرباء، على أن رسالتك راقتني فوددت أن أتعرف إلى رجل يحب الله والطبيعة والعزلة كما أحبها أنا. فاجلس ولنتكلم، فقد صرنا صديقين.
Bog aan la aqoon