ما كان أهون ما عاقبنا به أنور السادات لو وقع منا هذا الذي فعلنا في عهد الرئيس السابق عليه لكان الموت أقل ما يواجهنا. وأذكر في هذه المناسبة أن صديقا لي من الكتاب اقترح علي بعد هزيمة يونيو أن نكتب بيانا ندعو فيه رئيس الجمهورية إلى إعادة الحرية لمواجهة عواقب الهزيمة، وتحمست لهذا القرار وكتبت البيان ووقعته، فكان أول الناكصين عن توقيعه الكاتب الذي اقترحه، ولم يوقع معي البيان إلا نجيب محفوظ وحده، وأبى جميع الكتاب التوقيع، ولن أذكر أسماء الذين عرضت عليهم التوقيع، وطبعا لم أرسل البيان.
أصبحت أنا وتوفيق بك ونجيب بك من أشد المتحمسين لأنور السادات، ورغم أنني لم أكن كاتبا ثابتا بأي جريدة فقد حرصت على نشر تأييدي الصريح للزعيم العملاق في تحمس لا مثيل له، وكذلك فعل الكاتبان الكبيران توفيق الحكيم ونجيب محفوظ.
وبعد فترة عرفني خالي مدحت بالسيد بك مرعي، وقد وجدت فيه إنسانا غاية في الرقة والعذوبة، كما وجدت فيه سياسيا حاذقا متمرسا.
وأبلغني السيد مرعي أن الرئيس السادات معجب بما أكتب، واقترح خالي مدحت أن الأوان قد آن لأعين بمكان ما في الصحافة، وقد وجدت الفكرة ترحيبا من السيد بك. وأبلغنا بعد ذلك أن الرئيس أيضا يرحب بالفكرة، وبعد قرابة سنتين علمت من السيد بك أن الرئيس سيأمر بتعييني في مجلة الإذاعة والتليفزيون كرئيس لمجلس إدارتها، وكان د. كمال أبو المجد في ذلك الحين وزيرا للإعلام الذي تتبعه المجلة، والتقيت به وأخبرني برغبة الرئيس، كما أخبرني أن الرئيس يهنئني على روايتي، والواقع أن لقائي بكمال لم يترك في نفسي أثرا طيبا، ولا وجدت منه ما كنت أتوقعه من زميل دراسة وصديق.
وأذكر أنه عرض علي أن أعمل معه بالوزارة فرفضت، فراح يثير حديثا عن العقبات التي ستواجهني في المجلة فلم يقنعني، وكنت في يوم لقائه أعد نفسي لرحلة عمرة اتفقنا أن يتم تعييني بعد عودتي منها واعتمرت وعدت، وكانت أمينة هانم صدقي في لوزان بسويسرا في ذلك الحين، فاستدعت زوجتي أن تذهب إليها ورحبت زوجتي فهي تحب السفر إلى الخارج حبا جما، وتحرص عليه حرصا شديدا مهما تكن العقبات، وسافرت وبقيت أنا، وشاء الله أن يخرج كمال أبو المجد من الوزارة ويوقع قرار تعييني أخي الأكبر وواحد من أقرب الناس إلى قلبي يوسف السباعي، وأبلغت زوجتي بسويسرا أنني عينت، وأتولى رئاسة مجلس إدارة الإذاعة والتليفزيون، ولن أذكر عن الفترة التي قضيتها بها شيئا، ولكن ما قاله لي عميد الصحافة العربية المعاصرة مصطفى بك أمين: كيف استطعت أن تجعل من الفسيخ شربات؟
وأحمد الله.
وحدث أن كتب الأستاذ جلال الحمامصي مقالا يشكك في نزاهة الرئيس الأسبق، ووقف السادات في خلق الفلاح الأصيل يدفع التهمة في إصرار دون أن يدفع الحجة بالحجة، وإنما كان دفاعا عن صديق له مهما يكن الدفاع نوعا من الخطابة وليس تفنيد وقائع.
وقلت في نفسي كنا نكتب رمزا حين كنا لا نستطيع أن نصارح، واليوم أنا مسئول وحدي عن المجلة التي أكتب فيها، فمتى أقول الحق الصريح إذا لم أقله اليوم.
وكنت أنتظر توفيق بك الحكيم في صباح أحد أيام الجمع بالطابق الأعلى من فندق النيل، وكنا قد اتخذنا منه مكانا لندوتنا، ويبدو أنني ذهبت مبكرا فوجدت نفسي أخرج بعض أوراق وجدتها في جيبي بها كتابات، ولكن بها أيضا فسحات من البياض تتيح لي الكتابة، فرحت أقطع الانتظار بكتابة المقالة التي غيرت مجرى حياتي، وقد كانت أول مقالة صريحة تظهر في الصحافة العربية تهاجم الطاغية، وحين جاء توفيق بك كنت قد انتهيت من كتابة المقال ووضعته في جيبي ولم أذكر عنه شيئا لأحد حتى ذهبت في صباح السبت إلى مكتبي في المجلة.
وإني أعتقد أن من حقك علي أن تقرأ هذا المقال فقد بعد العهد به، فهو قد نشر في 14 فبراير سنة 1976م، ونحن في أكتوبر سنة 1992م، وإليك المقال:
Bog aan la aqoon