وكنت أثق بآراء الزعيم السياسي أحد أبطال ثورة 1919م والرجل الذي واكب الحياة السياسية، وكان من صناعها فترة طويلة من الزمان تتجاوز نصف القرن.
ومرت الأيام وبدأت الأحداث تتوالى، فإذا السادات سياسي داهية من الطراز الأول.
ولكن وعده بحرب فلسطين ليرد إلى مصر شرفها لم يكن يدور بخلدي أنه سينفذه، وقد أكد لي هذا تأكيدا لا يقبل الشك مقالات محمد حسنين هيكل بالأهرام التي كانت جميعها تجعل الحرب ضربا من المستحيل لا يتحقق إلا بقنبلة ذرية.
وفي أحد الأعوام أطلق عليه السادات عام الضباب يقصد بذلك أن الأمور لم تكن واضحة أمامه في ذلك العام، ولذلك امتنع عن الحرب، وأقيم معرض للكتاب في ذلك العام وكانت روايتي (الضباب) معروضة في المعرض، كانت الجماهير تقف أمام الرواية وتضحك، أهذا هو الضباب الذي يقول عنه الرئيس.
إلى هذا الحد كنت ومعي الأغلبية الكاثرة من الشعب المصري لا نصدق أسطورة الحرب هذه.
وكان الأستاذ توفيق الحكيم والأستاذ نجيب محفوظ يشاركاني هذا الرأي، وفي يوم دخلت إلى مكتب توفيق بك في الأهرام، ولم أكن عملت به فأطلعني على بيان مكتوب بلهجة عنيفة معناه أنه ما دام أمر الحرب مستحيلا فلا أقل من أن ننال حريتنا ونعود إلى الديمقراطية الغائبة عنا منذ سنوات.
وأمر هذا البيان معروف فقد عزلونا من الاتحاد الاشتراكي، والذي وقع قرار عزلي زميلان لي هما د. كمال أبو المجد ومحمد حامد محمود، وكلاهما متخرج معي في نفس الدفعة وقد أرسل لي محمد حامد مع شقيق زوجتي محمد واثق يقول لي: إنه يعلم أنه عزلني من الاتحاد الاشتراكي رغم أنني لست عضوا به، ولعل في هذه الجملة ما يغنيني عن التعليق. ومنع السادات أسماءنا أن تظهر بالصحف، ونشرت الصحف أنه سينظر في أمر كل كاتب على حدة إذا قدم الكاتب تظلما من قرار العزل هذا، وكلمت أخي الأكبر الحبيب يوسف السباعي: طبعا ستشفع لي ليرفع عني قرار العزل والحظر.
فقال: طبعا. - أرجوك ألا تفعل فإنني لن أقدم تظلما.
وثار بي أخي يوسف بك، ولكنها كانت ثورة حبيبة إلى نفسي؛ لأنها كانت صادرة عن حبه العميق لي.
وحدث في هذه الفترة أنني كنت مرشحا لمرافقة وفد أدبي فيه عمي عزيز باشا إلى تونس، فرفع اسمي من الوفد وأبلغت بذلك فلم أهتم أي اهتمام، إلا أنني أسفت لأنني حرمت من مرافقة عمي عزيز خارج مصر، فقد شاء الله - على كثرة أسفاره وأسفاري - ألا يجمعنا بلد آخر خارج مصر حتى وفاته رحمة الله عليه.
Bog aan la aqoon