من شاء بعدك فليمت
فعليك كنت أحاذر
وكانت جنازة أبي بالقاهرة من الجنازات الكبرى ولم تتخلف جريدة ولا تخلف كاتب عن رثائه، وكان طبيعيا أن يكون مثواه الأخير غزالة، وقد أبى أهل غزالة أن يدفن دون جنازة أخرى، وما أحسب أحدا تخلف عن هذه الجنازة.
وقد أقمنا المأتم لمدة ثلاثة أيام بغزالة، ومما لا أنساه أن مدني بك حزين أقام مأتما لأبي ببلدته إسنا وأرسل لي برقية يعتذر فيها عن عدم الحضور إلى غزالة؛ لأنه يتلقى العزاء بالسرادق الذي أقامه في إسنا، وبعد ذلك أقيمت حفلات التأبين لأبي في جميع بلاد القطر من أسوان إلى الإسكندرية، حتى إني لم أستطع أن أذهب إليها جميعا، ومما لا أنساه موقف الشيخ شعيشع الذي كان أحد القراء الذين رتلوا القرآن في المأتم، وحين حاولت أن أقدم إليه مكافأته عن جهده قال: إذا كنت تريدني أن أقبل هذه المكافأة فهات لي يد الباشا لتقدمها إلي.
ورفض في حسم أن ينال مكافأته.
وجاءتني برقية من الأستاذ الكبير أحمد حسن الزيات بك لا أنساها قال فيها:
جل خطب عن عزاء، فلا أقول عزاء ولا أقول صبرا.
ثم أقام له بعد ذلك رجال حزب الأحرار الدستوريين حفل تأبين مع أن الحزب كانت الثورة قد حلته عندما حلت الأحزاب جميعا، ولا أنسى واقعة من عميد الأدب العربي د. طه حسين في هذه المناسبة، فقد كنا في بيت هيكل باشا وهو يعد الإجراءات لحفلة التأبين، وقال هيكل باشا اطلبوا لي طه حسين على التليفون، وكنت بجوار هيكل باشا وهو يكلم طه باشا، وقال هيكل باشا: يا طه نحن نقيم حفل تأبين لدسوقي في يوم كذا.
فقال الرجل العظيم وأنا أسمع ما يقول: في هذا اليوم أنا مرتبط بمحاضرة ألقيها، سألغيها وأحضر التأبين وأتكلم.
وقد فعل، وكان المتكلمون جميعا من أعظم رجال مصر، وألقى العقاد قصيدة رائعة نشرتها في كتابي «ذكريات لا مذكرات».
Bog aan la aqoon