وعرضت الكويت على د. عثمان العمل بها فقبل.
أما موقفه معي وهو يدرس لي الإداري في السنة الثانية فقد كان عظيما، وإن كنت أنا الغارم فيه، كنت عنده في البيت كعادتي وكان بيننا وبين الامتحان ثلاثة أشهر فإذا هو يقول لي. - حضرتك لا تأتي إلي بعد اليوم.
ودهشت. - لماذا؟ - سأبدأ في وضع الامتحان، فإذا بعدت بك عن موضوعات الامتحان ظلمتك، وإن أشرت إليك إلى أهمية مواضيع الامتحان خنت الأمانة، وظلمت نفسي.
هكذا كان الأستاذ العظيم د. عثمان خليل عثمان. وهكذا كان أساتذة هذا الزمان، أتناول عنده الطعام، ويأبى ضميره أن يكون على صلة بتلميذه وقريبه في الفترة التي يضع فيها الامتحان وربما حتم علي أن أقول إن الصلة بيني وبين الدكتور لم تقف عند مكان التلميذ من أستاذه؛ بل اتخذ مني أخا أصغر يفضي إليه بدخيلة نفسه ويستأمني على خاصة أسراره التي لا يستأمن عليها أحدا من خاصته، ولكن الصلة الشخصية أمر يختلف كل الاختلاف عن نقاء الضمير وشرف النفس.
حين تخرجت في الكلية كان همي أن أبحث عن وظيفة، وكان أبي قد ترك الوزارة ولو كان باقيا بها ما فكر أن يعينني فيها على الإطلاق، وهل أدل على ذلك مما حدث لي مع أبي؟! إليك:
كان حافظ عفيفي باشا رئيس مجلس إدارة بنك مصر حين تخرجت، وحافظ عفيفي باشا صديق لأبي منذ ما قبل ثورة 1919م، وهو كما لا يعرف الكثيرون طبيب متخصص في الأطفال، وكنت قد مرضت بعد شهور من ولادتي مرضا كاد يودي بحياتي، فقد أصبت بالدوسنتاريا الحادة، وكان يعالجني طبيب أجنبي ومعه الدكتور إبراهيم شوقي باشا، والدكتور حافظ عفيفي باشا، وربما تدرك خطورة المرض مما قال الطبيب الأجنبي لوالدتي أنني كفوطة على مشجب، الله وحده يعلم كانت تبقى أم تسقط، وتولت عمتي تمريضي في إصرار حتى كانت لا تنام في الليل أو النهار. وما أظنني بحاجة أن أقول إنني نجوت من الموت وإلا فما كنت التقيت بك وكتبت لك هذا الحديث الذي أكتب.
أظنك تبينت مدى العلاقة التي تصل بين أبي وبين د. حافظ عفيفي باشا.
كنت مع أبي في حجرة نومه، وكان يحلق ذقنه كعادته وأحضرت له التليفون وقلت له: ألا تكلم لي د. حافظ باشا ليعينني في القسم القانوني ببنك مصر.
وترك الحلاقة ونظر إلي في دهشة: أتنتظر مني أن أرفع سماعة التليفون وأطلب من أحد مهما يكن أمره أن يعين ابني، هل تتصور هذا؟!
وسكت طبعا وعجبت فإنني لم أكن أتصور غير هذا.
Bog aan la aqoon