ويكون مع ذلك من فرسان العمل والكفاح، ويجمع بين القلم والسيف، جريئا على الملوك في الصدع بالحق، لا يحجم عن قيادة الجيش الإسلامي أمام أضرى عدد ومثل الوحوش التتر، ويعرفه كل من حلق الدرس، وزوايا المكتبات، وخلوات المساجد، ومجالس المناظرة، ومعتقلات السجون، وساحات الحرب كفارس عظيم ورجل ذي شكيمة، مبجلا في كل عين ومعترفا بإمامته في كل طبقة.
كان القرن الثامن بحاجة إلى مثل هذا الرجل الكامل الذي يسع نشاطه كل مجال من مجالات الحياة من غير أن تنزوي جهوده وأعماله في زاوية واحدة أوتتركز على جانب واحد، كان ذلك الرجل هو شيخ الإسلام الحافظ ابن تيمية الذي ملأ العالم الإسلامي بنشاط وحياة تحركات علمية وعملية لا تزال آثارها خالدة باقية على مر القرون والأجيال.
2-شهادة الشيخ محمد أبي زهرة رحمه الله:
وكتب الشيخ محمد أبي زهرة ترجمة مستفيضة لشيخ الإسلام ابن تيمية، وفي مقدمتها يبين الباعث له على هذه الترجمة فيقول:
أ- الفقيه الذي اتصل بالحياة وتعلق قلبه بالكتاب والسنة:
برز إلى الخاطر إمام شغل عصره بفكره ورأيه ومسلكه، فدوى صوته بآرائه في مجتمعه، فتقبلتها عقول واستساغتها، وضاقت عنها أخرى وردتها، وانبرى لمنازلته المخالفون، وشد أزره الموافقون، وهو في الجمعين يصول ويجول، ويجادل ويناضل، والعامة من وراء الفريقين قد سيطر عليهم الإعجاب بشخصه وبيانه، وقوة جنانه وحدة لسانه، واعترتهم الدهشة لما يجيء به من آراء يجدد بها أمر هذه الأمة، ويعيد إليها دينها غضا قشيبا كما ابتدأ.
Bogga 43