Lamahat Min Hayat Ibn Taymiyya
لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
Noocyada
قالوا: وهذه مسألة دوام فاعلية الرب تبارك وتعالى وهو لم يزل ربا قادرا فعالا فإنه لم يزل عليما قديرا، ومن المحال أن يكون الفعل ممتنعا عليه لذاته، ثم ينقلب فيصير ممكنا لذاته من غير تجديد شيء وليس للازم حد محدود حتى يصير الفعل ممكنا عند ذلك الحد ويكون قبله ممتنعا عليه فهذا القول تصوره كاف في الجزم بفساده ويكفي في فساده أن الوقت الذي انقلب فيه من الإحالة الذاتية إلى الإمكان الذاتي أما أن يصح أن يفرض قبله وقت يمكن فيه الفعل أو لا يصح.
فإن قلتم لا يصح كان هذا تحكما غير معقول وهو من جنس الهوس، وإن قلتم يصح: قيل وكذلك ما يفرض قبله لا إلى غاية، فما من زمن محقق أو مقدار إلا والفعل ممكن فيه وهو صفة كمال وإحسان ومتعلق حمد رب تعالى وربوبيته وملكه وهو لم يزل ربا حميدا ملكا قادرا لم تتجدد له هذه الأوصاف كما أنه لم يزل حيا مريدا عليما. والحياة والإرادة والعلم والقدرة تقضي آثارها ومتعلقاتها، فكيف يعقل حي قدير عليم مريد ليس له مانع ولا قاهر يقهره يستحيل عليه أن يفعل شيئا البتة؟
وكيف يجعل هذا أصل من أصول الدين ويجعل معيارا على ما أخبر الله به ورسوله ويفرق به بين جائزات العقول ومحالاتها؟ فإذا كان هذا شأن الميزان فكيف يستقيم الموزون به، وأما قول من فرق بأن الماضي قد دخل في الوجود دون المستقبل فكلام لا تحقيق وراءه، فإن الذي يحضره الوجود من الحركات هو المتناهي ثم يعدم فيصير ماضيا، كما معدوما لما كان مستقبلا فوجوده بين عدمين وكلما انتقضت جملة حدثت بعدها جملة أخرى، فالذي صار ماضيا هو بعينه الذي كان مستقبلا فإن الدليل على امتناع مالا يتناهى شيئا قبل شيء فهو بعينه، دل على امتناعه شيئا بعد شيء.
Bogga 104