كلمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
كلمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
اللحظة الحرجة
اللحظة الحرجة
Bog aan la aqoon
تأليف
يوسف إدريس
كلمة
مفروض أن المسرحية تكتب أصلا لتمثل على خشبة المسرح. والنص المسرحي - مهما بلغت قوته - ليس في الواقع إلا جزءا واحدا من الأجزاء العديدة التي تشترك في تجسيد العمل المسرحي.
أجل ... المسرحية ليست هي النص المسرحي وحده. ونحن حين نتحدث عن المسرحية أو «المسرح» فنحن نقصد تلك اللحظات التي تلتقي فيها مجموعتان غريبتان من الناس؛ مجموعة كبيرة تحوي أناسا من مختلف الأمزجة والألوان والطبقات، جاءوا من عالم خارجي مزدحم عريض ليلتقوا بمجموعة صغيرة أخرى من الناس تحيا في عالم محدود خاص. تلك اللحظات هي المسرح، هي التجاوب الحادث بين الجماعتين ... اللحظات التي تطفأ فيها الأنوار في الصالة لتحجب عن الجماعة الصغيرة العالم الخارجي العريض، وتضاء فيها أنوار المسرح لتسلط على ذلك العالم الصغير المحدود ... اللحظات التي تنسى فيها كل جماعة نفسها، وتنسى فيها ما جاءت لأجله، التي ينسى فيها المتفرج أنه مجرد متفرج، وينسى فيها الممثل أنه مجرد ممثل، وتعاد صياغة الزمن؛ فيحيون الليل على أنه نهار، وربما منتصف النهار على أنه منتصف الليل ... اللحظات التي تقوم فيها في أثناء هذا الاجتماع الكبير روابط إنسانية وثيقة بين الواقف على خشبة المسرح والجالس في الصالة، وبين الجار والجار، والممثل وزميله، وأعصاب الجمهور والحبال التي تشد الستائر. تلك اللحظات التي يفد لصنعها أناس يدخلون إلى ذلك المحراب المقدس من بابه الخلفي ومن بابه الأمامي، تاركين الحياة التي يحيونها في الخارج ليشتركوا باختيارهم خلق حياة من صنعهم هم، حياة يصنعونها، ويحيونها وتعتمد على اشتراك كل منهم بنصيبه فيها.
ذلك هو المسرح.
والنص المسرحي هنا مجرد أسهم وعلامات قد تحدد الطريق الذي تسلكه الحياة التي يقوم بصنعها الإنسان. مجرد إشارات تنظم مرور هذه الحياة في أثناء سريانها وتدفقها، مجرد مادة خام غير قابلة للتفاعل إلا حين تختلط بغيرها من المواد، وتحدث الشرارة، ويتم التجاوب داخل المحراب المقدس.
وأنا أميل كثيرا إلى استعمال تلك الكلمة التي أصبحت موضة العصر والتي يصفون بها إنتاج الرسام أو الكاتب أو الموسيقار، أعني كلمة «الخلق»، أقول هذا مع أني استعملتها، ولكننا نستعمل كلمات أحيانا لمجرد أنها كلمات شائعة، حسن إذن! إذا سمينا الكتابة للمسرح عملية خلق فقد رأينا أنها إحدى عمليات الخلق الداخلة في تكوينه، وإذا كان الكاتب يخلق الكلمة، والمخرج يخلق الحركة، والممثل يخلق العاطفة التي يصوغ بها الكلمة والحركة، والجمهور يخلق الجو العام الذي يستحيل فيه التمثيل إلى حقيقة، وتستحيل فيه الحقائق أحيانا إلى تمثيل، كل هذه العمليات عمليات خلق، وكلها تدخل في تكوين المسرح.
ولكن المسرح ليس مجرد حاصل جمع هذه العمليات.
المسرح، أو اللحظات المسرحية، شيء ينتج عن هذه المكونات جميعها، شيء رائع جديد ... شيء يبلغ من قوته حد أن يملك على جمهور غفير من الناس ألبابهم لبضع ساعات، وقد يؤثر فيهم لأيام كثيرة، وقد يبقى أثره ساريا في حياتهم وحياة أولادهم لسنين طويلة وسنين.
Bog aan la aqoon
الإقدام على نشر النص المسرحي - إذن - مغامرة، فالواقع أني كتبت هذه الرواية لكي تمثل ولم أكتبها لكي تقرأ ... وقد ترددت كثيرا قبل نشرها، فالكلمة حين تراها العين غيرها حين تسمعها الأذن، والكلمة حين ينطقها كائن حي منفعل، غيرها حين تبدو هادئة راكدة على الورق، والجو حين تجسده السطور غيره حين تبدو في ذلك المزيج السحري من النور والظلام والعيون اللامعة والأنفاس اللاهثة المترددة، والحوار حين يقرؤه الشخص وحيدا، غيره حين يسمعه في حضرة جمهور، فمئات الأشخاص حين يجتمعون في مكان واحد يفقد كل منهم ذوقه الفردي، ويتكون لهم إحساس عام مختلف تماما ... إحساس الجماعة البشرية التي قد لا تنفعل بما لا ينفعل له الفرد، والتي قد تقهقه ضاحكة لما لا يبعث في الفرد إلا مجرد الابتسام.
وصحيح أن هذه ليست أول مرة ينشر فيها نص مسرحي قبل تمثيله، أو تنشر فيها روايات في كتب، ولكني أعتقد أن معظم تلك الأعمال كتبت أصلا لكي يقرأها القارئ ... وعلى هذا كان نشرها في كتاب أصلح وسيلة لنشرها. أما النصوص المسرحية التي كتبت لتمثل فنشرها يعد مغامرة ... مغامرة لأنه يتطلب من القارئ جهدا أكثر مما تتطلبه قراءة رواية أو قصة أو مقالة. ففي أي مكان يقرؤها، في القطار أو في القهوة أو قبل النوم، عليه أن ينتزع نفسه من كل ما حوله، ويتصور نفسه داخل مسرح ما، بل في مقعد بعينه من صالة المسرح وفي حضرة جمهور، وقد جاء خصيصى ليشهد هذه الرواية بالذات، وعانى من وسائل المواصلات، ودفع ثمن تذكرة الدخول، وجلس ينتظر رفع الستار على مضض، ثم عليه إذا ما دار الحوار أن يتصور الكائنات الحية التي تنطقه ... ويستقبله بإحساسه الجماعي. عليه بالاختصار أن يقوم وحده بكل عمليات الخلق الأخرى التي لا بد من إضافتها للنص المسرحي لكي يصبح رواية مسرحية. والمغامرة أن قارئا كهذا من الصعب الحصول عليه في خضم مشغوليات حياتنا الكثيرة.
ولكني مع هذا متفائل ومطمئن، ومتأكد تماما أن الناس جميعا يحبون لكي يظفروا بالمتعة أن يبذلوا الجهد. بل إني أعتقد أن أي عمل فني أو أدبي هو ملك للناس قبل أن يكون ملكا لمنتجه أو كاتبه. وإذا صح هذا في كل الفنون، حيث يتبنى الناس العمل ويحنون عليه ويبذلون من أنفسهم له، فهو في المسرح أوضح وأبعد مدى ... إذ إن المسرح ليس ملكا للناس فقط، ولكنه أولا وأخيرا رأي الناس في المسرح. المسرح هو طاقة تعبير الجماعة الإنسانية عن نفسها لنفسها، وما الكاتب والمخرج إلا وسائل تعبير.
خذ هذه الرواية إذن - أيها الصديق - على أنها أسهم وعلامات، وستظل مجرد أسهم وعلامات إلى أن تخلق منها أنت العالم الذي تريده، إلى أن تجعل أنت الحياة تدب في كلماتها، إلى أن تضيف إليها أنت من خيالك وحماسك ومشاركتك وتخلقها الخلق الأكبر، فأنت وحدك القادر على خلقها ذلك الخلق الأكبر.
ي. إ.
الفصل الأول
(
المنظر:
حجرة «القعاد» في بيت مصري متوسط. وهذه الحجرة لها في الغالب مكان محدد في البيت ... فأحيانا تكون في الصالة، وأحيانا حجرة مستقلة، وفي أحيان قليلة تستعمل حجرة نوم الأبوين. وحجرة «القعاد» هي أكثر الحجرات استعمالا ، فالصالون لا يفتح إلا للضيوف، وأودة السفرة تستعمل للزينة أكثر مما تستعمل لتناول الطعام، هذه الحجرة هي بؤرة البيت، فيها يمرح الأولاد وهم أطفال، وينامون على ركب أمهاتهم وآبائهم، وفيها أيضا يجلسون إذا كبروا واضعين ساقا فوق ساق يطلبون المصروف بإلحاح، وينظرون باشمئزاز إلى الأساس العتيق الذي طالما عشقوه وهم صغار. هي الحجرة التي يستقبل فيها الأصدقاء والمقربون، ويدبر فيها المستقبل، ويزاح الستار عن أسرار الأسرة المنيعة التي لا يعرفها أحد.
والحجرة في أثاثها مريحة كجلباب النوم. الأناقة تحتفظ بها الأسرة للمدخل وحجرة الصالون وكل ما تقع عليه عين الغريب، أما في هذه الحجرة فبها كل ما هو غير أنيق ومريح، الكنبة الإسطنبولي المعتادة، والصور التي رسمها الأولاد وهم تلاميذ صغار مثبتة بمسامير إلى الحائط وكأنها أوسمة مجد، ولا مانع من حمار مرسوم بالفحم على الحائط أو عروسة. القلل في الشباك (حتى مع احتمال وجود ثلاجة في البيت) فماء القلة حلاوته لا تقارن عند الأم بأي ماء مثلج، هناك أيضا دولاب قديم ضلفه مفتوحة باستمرار، ومحتوياته تبدو للعيان، فوتيل مستعمل يجلس عليه الوالد في العادة ولكن في أغلب الأحيان تحتله الأم، شماعة ملابس عليها ما لا يقل عن 50 قطعة. ترابيزة كثيرا ما تتناول الأسرة عليها الطعام. ماكينة خياطة قريبة من الباب. نتيجة معلقة على الحائط لم تنتزع عنها الأوراق منذ أيام أو لعلها نتيجة العام الماضي. «كونسول» له مرآة وسطحه من الرخام الأصلي. دراجة صغيرة بثلاث عجلات إحداها مكسورة. ولا يسلم الأمر من حبل غسيل ممتد في ركن الحجرة وعليه مناديل وشرابات مغسولة.
Bog aan la aqoon
الحجرة لها ثلاثة أبواب: باب إلى اليمين (يمين المسرح) يؤدي إلى داخل البيت والمطبخ. وباب في الوسط يؤدي إلى الصالة ومن ثم إلى حجرات النوم. وباب إلى اليسار يؤدي إلى مدخل الباب. وهناك نافذة بين باب الوسط وباب اليسار لها حافة موضوع فوقها أصص زرع، وبعض الزرع يطل إلى الداخل. ومن خلال النافذة نلمح مباني الشارع والمدينة، وبالذات نافذة المنزل المقابل.
الوقت في الصباح الباكر، والساعة حوالي السابعة، وهنية واقفة في منتصف الحجرة في حالة عصبية ظاهرة منخرطة في نقاش مع «سعد»، بينما كوثر واقفة تروي أصص الزرع من قلة في يدها.
هنية أم في الخمسين ولكنها من ذلك النوع الذي يبدو أقل من سنه، قصيرة القامة، وتميل إلى الامتلاء، قمحية اللون، نادرة الابتسام، ترتدي «روب» منزلي مزين بورود قديمة باهتة.
سعد شاب تعدى العشرين بقليل، ملامحه حادة ووجهه مستطيل نحيف وفيه وسامة. تحس أن في داخله طاقة متوهجة تشع من عينيه وملامحه، كلماته سريعة متلاحقة، وكثيرا ما يتوقف عن الكلام فجأة وبلا سبب، ثم يعود يستأنف حديثه. من الصنف الحامي الذي يريد أن يتحقق ما في رأسه، وأن يتحقق في التو واللحظة. سريع الانفعال، سريع الملل، إذا ضحك يضحك من حنجرته فقط، وإذا تكلم يتكلم من قلبه. تحس من خلال حديثه أنه ساخط على شيء مجهول، وناقم على العالم من أجل ذلك الشيء. يرتدي بنطلونا كاكيا وقميصا أبيض.
كوثر في حوالي الثانية والعشرين، نحيفة ولونها أغمق من لون أمها وفي ملامحها وسامة وإن لم تكن جميلة، وأنوثتها مختلطة بقلق وتوهان وعصبية، وحين تتكلم يخرج صوتها سرحان تائها ذا نبرة موسيقية، فيه كثير من اللامبالاة والاستخفاف. كثيرا ما تدندن واللبانة لا تترك فمها، وردها حاضر.)
هنية :
وإن مت؟
سعد :
أبقى إنشا الله في داهية.
هنية :
Bog aan la aqoon
وأعمل أنا إيه؟
سعد :
تعملي اللي تعمليه.
هنية :
ما انتم أصلكم جنس جبار، وقلوبكم مش منكم. لو كنت تعبت زيي وحبلت وولدت ورضعت وسهرت الليالي تداوي وتبكي كنت عرفت إيه قلب الأم، إنما انتم أصلكم جبار قلبه مش منه ... ياخي بلا نيلة.
سعد :
اسمعي يا ولية ... كتر الكلام مش ح يفيد ... أنا لية دماغ بفكر بيها، واللي على كيفي حعمله. سامعة ولا مانتيش سامعة؟
هنية :
سامعة يخويا ... ما تضربلك قلمين وتسكت. وعلى آخر الزمن بتقول لي يا ولية (ثم بصوت عال فجأة)
بس قول لي بس، بتعملوا إيه في التداريب دي؟ وبعدها إيه؟
Bog aan la aqoon
سعد :
بعدها نحارب.
هنية :
وتجيني شايلينك البعيد على نقالة .
سعد :
أهو يفضل لك مسعد ومحمد.
هنية : (بلهجة شديدة التأثر)
والله ما يمكن، دا انت اللي فيهم والله، لا مسعد ولا محمد ولا عشرة زي مسعد ومحمد (تنهمر من عينها الدموع وتواصل الكلام)
بقى ربيناك وعلمناك، وبدل ما نخليك تشتغل بعد الثانوية زي ابن أم محمود، ولا زي سلامة أفندي ما عمل في ولاده، بدال كده صرفنا عليك دم قلبنا ودخلناك الهندزة علشان تيجي في الآخر وتبهدلنا كده! طب إن ما كنش علشانك انت، اعمل خاطر لنا احنا. (بتأثر شديد)
والنبي كنت أموت نفسي ... يا دهوتي كانت.
Bog aan la aqoon
سعد (منفجرا) :
يا عالم علمتونا الجبن ... يا عالم خليتم الدنيا تركبنا وتهز رجليها. الأم في بلاد برة بتشيل، وانتم هنا شاطرين تكسروا مقاديفنا. طول عمركم عايشين في ذل، وعاوزين تذلونا معاكم. اسمعي يا ولية ... تلاتة بالله العظيم أنا بادرب وحادرب وححارب، وإنشا الله يتهد البيت ده فوق روسكم (ثم يكمل انفجاره بسكوت مفاجئ وينظر شزرا) .
هنية : (مغيرة طريقتها)
يا ابني أنا أمك!
سعد :
أمي ما تهبطنيش.
هنية :
أنا خايفة عليك يا ابني، هو ده حرام كمان؟ قلب الأم يا ابني!
سعد :
هو ما فيش حد له أم إلا أنا؟ ما الدنيا كلها أمهات.
Bog aan la aqoon
هنية :
لو كنت أم ما كنتش تقول كده.
سعد :
ولو كل الأمهات قالوا لأولادهم كده، مين يدافع عن بلدنا؟
هنية :
خلي اللي يدافع يدافع يا ابني، وخلينا احنا في حالنا.
سعد :
وأنا ما كنشي من اللي بيدافعوا ليه؟
هنية :
إنت؟
Bog aan la aqoon
سعد :
أيوة أنا!
هنية :
عشان انت ابني.
سعد :
وعشان ابنك أستخبى في حضنك؟ حضنك ما عدشي يسعني ... أنا كبرت عليه.
هنية :
انت كبرت على حضني يا ابني، إنما حد بيكبر على الموت؟
سعد :
واشمعنى التانيين يموتوا؟ هما مش ليهم أمهات برضه؟
Bog aan la aqoon
هنية :
بس يمكن أمهاتهم ما بتحبهمش زي انا ما بحبك.
سعد :
أهو ده الحب اللي يكره الواحد في الحب. حب إيه ده؟ دا الكره أحسن منه ... هو ذنبي إنك بتحبيني؟ حبيني زي ما انتي عايزة بس سيبيني أعمل اللي أنا عاوزه.
هنية :
اعمل كل اللي انت عاوزه إلا ده.
سعد :
وإذا كان كل اللي أنا عاوزه هو ده؟
هنية :
إبقى موتني الأول.
Bog aan la aqoon
سعد (منفجرا) :
ما فيش فايدة! انتي في وادي وأنا في وادي. لا حفهمك ولا حتفهميني أبدا. يلعن أبو دي عيشة ... تلاتة بالله العظيم. (صوت من الداخل) ... تلاتة بالله العظيم إن ما سكت وبطلت الدوشة دي على صباح ربنا لا طالع مخلي وشك زي قفاك. ساكت ولا مانتش ساكت؟
سعد (في صوت مغيظ مكتوم) :
يا شيخة جتكم الهم. (يستدير فجأة ويخرج.)
هنية : (تندفع وراءه وتنادي عليه، وحين يختفي خارجا تزيح كوثر الواقفة عند الشباك بعنف وتستمر في نداءاتها)
سعد! خد يا سعد! أما أقول لك كلمة. كلمة واحدة بس وروح زي ما انت عاوز تروح. (الصوت الداخلي) : فين كباية المية السخنة يا ولية؟ كل يوم أقول لك حضريها.
هنية :
والنبي يا سي سيد تناديله. اعمل معروف نادي لسعد ... يا سعد! (الصوت الداخلي) : يا هنية.
هنية (متراجعة من النافذة) :
والنبي ما تسمعني خبر وحش يا رب ... ما اسألكشي رد القضا، أسألك اللطف فيه. (الصوت الداخلي) : فين كباية المية السخنة يا ولية انتي؟
Bog aan la aqoon
هنية (لكوثر) :
اسمعي يا بت ... انتي عارفة أبوكي ما يعرفشي حاجة عن التداريب دي ... والنبي إن بزيتي بكلمة له لاكون قاطعة لسانك من سقف حلقك. إن سأل عليه قولي خرج. فين؟ معرفش. ووصي إخواتك.
كوثر :
إن كان علي أنا ... أنا مالي هو حر يعمل اللي هو عاوزه. بس الواحدة لو بصت من الشباك تعلقوا لها المشنقة. الظلم ده كان ليه يا رب؟ (الصوت الداخلي) : يا هنية! يا ست هنية! يا مركيزة هنية!
هنية (لكوثر) :
سامعة؟ ولا كلمة. روحي انتي صحي اخواتك. (لنصار)
أيوة ... عايز إيه يا حاج؟ (لنفسها)
استر يا رب! (لنصار مرة أخرى)
ما كباية المية السخنة عندك ع الكومودينو، ده دي! (الصوت الداخلي) : ولا ع الكومودينو ولا فوق الدولاب ولا في جيب البالطو، ولا عاد لي قيمة في البيت ده ... ولا انتي عنتي نافعة ولا شافعة ولا فاضيالي علي الطلاق بالتلاتة. (يدخل نصار المسرح من باب الوسط مرتديا فانلة بأكمام طويلة، وسروالا مربوطا تحت الركبة، ونظارة بشنبر أمريكي سميك، وهو ضخم الجثة في حوالي الستين، سريع الحركة كثير الالتفات والتشويح.)
هنية (مقاطعة) :
Bog aan la aqoon
وان كانت ع الكومودينو؟
نصار :
أبقى أقطع دراعي. مش من هنا (مشيرا إلى ما فوق الرسغ)
من هنا (مشيرا إلى ما تحت الكتف) (هنية تدخل الحجرة) .
دي عيشة إيه دي! أصل بغل الحكومة لما بيكبر بيضربوه بالنار ... هه! (يرفع يديه إلى أعلى كمن يهم بلعب تمرينات رياضية لثني الظهر ومده. ينثني إلى أسفل، ولكنه يعتدل فورا وهو يمسك ظهره بيده)
آي! العوض على الله (يجلس على الكنبة)
زرجنت مفاصلك يا نصار وكان اللي كان. الحقيني يا ولية ... ضهري وقف.
هنية (داخلة) :
المية السخنة أهه ... أعوذ بالله.
نصار (يتناولها) :
Bog aan la aqoon
يا ولية أنا حدرس لك من جديد؟ مش عارفة لازم تكون دافية ولازم تكون على ريق النوم.
هنية :
وأعمل لك إيه يا حاج بس؟ سخنتها 3 مرات وانت ما تصحاش.
نصار :
أمرنا لله ... أمرنا يا ست هنية. لازم هي سخنة وأنا مش حاسس. (يشرب الكوب)
يهمك إيه انتي من صحتي. زي ما بيقولوا ليس على الجاهل حرج، وانتي أصلك ما تعرفيش قيمة شوية المية دول على ريق النوم. والإذاعة اللي اتنصبت على الصبح كانت على إيه؟
هنية :
ما كانتشي ولا حاجة.
نصار :
سعد ماله؟
Bog aan la aqoon
هنية :
ما مالوش.
نصار :
تكونيش فاكرة تلتين مخي كابوريا؟ ماله سعد؟
هنية (بتململ) :
ما فيش ... باينه كان عايز فلوس.
نصار :
وعوزته دي لزومها إيه تطير عصافير دماغي على الصبح؟ دلعي دلعي ... أنا أكفر كل يوم علشان أجيب القرش من هنا، وانتي تدلعي من هنا. وما صحتنيش ليه لما جبتي المية؟
هنية :
قلت أسيبك تنام لك شوية.
Bog aan la aqoon
نصار :
وسيبتيني ولا فتحتي المكرفون على الآخر؟ إنتوا حواليكم نوم ولا هباب عالي؟!
هنية (تأخذ الكوب الفاضي وتخرج وهي تتمتم لنفسها) :
يا فتاح يا عليم على الصبح.
نصار (يغير لهجته فجأة ويكمل ناظرا إلى الباب الأيمن ) :
أنا راخر باقول إيه الريحة الحلوة اللي فاحت دي؟ يا جماله ودلاله وخفة دمه الحبوب المحبوب، ملك قلبي وتاج راسي ... مين صبح على بابا؟ (تظهر سوسن على الباب وهي تقدم رجلا وتؤخر أخرى، تدعك عينيها اللتين لا يزال يملؤهما النوم. نصار يهبط واضعا ركبتيه على الأرض ويفتح ذراعيه. تقبل سوسن وجفونها مطبقة، وعلى وجهها غضب لا يعرف سببه، وتقذف بنفسها في حضن أبيها بطريقة ميكانيكية بحتة. أبوها يحضنها ثم يقبلها. ويمسح إفرازات أنفها) .
نصار :
مين حب بابا؟ ... مين روح بابا؟ ... مين بوس بابا؟ (يصعر خده للتقبيل، فتطبع سوسن على خده قبلة باردة نائمة، ثم تنفر منه فجأة، وتبدأ في البكاء) .
سوسن :
أنا ما لي هه.
Bog aan la aqoon
نصار :
ما لك روحي؟ بتعيطي ليه؟ ما لك سوسو؟
سوسن : (تندفع في بكاء عال) .
نصار (بقلق شديد) :
ما لك حبوب؟ ما لك؟
سوسن (وهي تسكت فجأة عن البكاء) :
عايزة حصان.
نصار : (مقهقها) بس كده؟ حصان؟ حصان وبس؟ حصان وعروسة وعريس ينفع للجميل دهه. حاضر! (يفتح درجا في الدولاب ويخرج منه حصانا من الصفيح على هيئة لعبة) اتفضلي ... حصان جاي من سبق الخيل على طول.
سوسن (تعرض عنه) :
لا ... عايزة حصان كبير.
Bog aan la aqoon
نصار :
ما هو كبير أهه.
سوسن :
كبير أركبه يا أخي. إيه ده؟
نصار (يقهقه) :
بس كده؟ حاضر. النهارده وأنا راجع أجيبلك واحد.
سوسن (تبكي من جديد) :
أنا ما لي هه ... أنا عايزاه دلوقتي.
نصار :
أمري إلى الله. (يدخل حجرة النوم ويعود مرتديا جلبابا أفرنجيا ومعه مسند)
Bog aan la aqoon
اتفضلي اركبي.
سوسن (تبكي) :
لا ... دا مش حصان.
نصار :
أمال دا إيه؟
سوسن :
دا مسند يا شيخ ... الله!
نصار :
يا فتاح يا عليم! ودي يا خويا قايمة م النوم، إيه اللي فكرها بالحصنة دلوقتي!
سوسن (تبكي وتضربه) :
Bog aan la aqoon
أنا مالي هه. عايزة حصان ... هاتلي حصان حالا.
نصار :
ودي مشكلة إيه دي يا ولاد؟ (تبرق ملامحه)
عايزة حصان؟
سوسن :
آه (وتواصل البكاء) .
نصار :
دلوقتي حالا؟!
سوسن :
آه (وتواصل البكاء) .
Bog aan la aqoon