Laali Saniyya Fi Tahani Sultaniyya
اللآلئ السنية في التهاني السلطانية
Noocyada
فقد كان للمصريين ثلاثة أبواب مفتوحة أمامهم: باب السراي الخديوية وباب الوكالة البريطانية وباب الحكومة المصرية، فهل تستغرب بعد ذلك أن شعبا تنقصه الخبرة والسياسة والعلم يضل غالبا ويسير في طرق مناقضة لمصالحه الحقيقية.
إن اللورد كرومر والمرحوم السر الدون غورست واللورد كتشنر عرفوا ذلك وعلموا بالمساعي التي كنت أبذلها دائما لخير مصر، ولما دعيت إلى رئاسة مجلس شورى القوانين قبلتها غير مراع رتبتي ومقامي، وكان قبولي لها على رجاء أن أتمكن من التأثير الحسن في مناقشاته، ولكني استقلت منه لما حالت مساعي عابدين دون قيامي بهذه المهمة، ولا يحسن بي أن أخوض في هذه المداخلة التي كانت تؤخر تقدم البلاد في رأيي.
ولكن الماضي مضى وانقضى وأملي وطيد الآن أن الجمعية التشريعية التي باتت تحت تأثير مؤثرات أحسن من تلك تقوم في المستقبل بمهام تليق بشأن بلادنا الجميلة.
ولنتكلم الآن عن المستقبل: إني أثق بإنكلترا تمام الثقة وأئتمنها، وأرجو أنها تثق هي بي أيضا وتأتمني. فقد كنت مستقيما في معاملاتي على الدوام وماضي يشهد لي بذلك، وكنت أسعى دائما في التوفيق بين مصر وإنجلترا، وكانت علاقاتي مع ملككم العظيم المرحوم الملك إدوارد السابع رحمه الله على غاية الصداقة والوداد منذ أول معرفتي له سنة 1868. وإني لأرجو أن تكون العلاقة بيني وبين نجله كتلك وأرجو أيضا إذا اتفق ثانية أن تتهدد مصر أن يكون شعبي قد بلغ من التقدم الأدبي والمدني شأوا يحمله على المبادرة إلى الدفاع عن بلاده مع جنود الإمبراطورية جنبا إلى جنب من تلقاء نفسه وعن طيبة خاطر كما فعل جنودكم المحليون والجنود الاسترالية والجنود النيوزيلندية الباسلة التي أشاهدها يوميا في مصر الجديدة وأعجب بها لما أراه منها.
وأقول - والحديث ذو شجون - إنه منذ ابتداء الاحتلال حتى الآن كان سلوك ضباطكم وجنودكم مع أهل البلاد كاملا لا غبار عليه، فلم يسيروا في الطرق والشوارع مرحا يقلقون الناس بصليل سيوفهم.
فإذا أتيح لي أن أنهض بالشعب المصري وأبث فيه بعض هذا الروح الأهلي المدني الذي نراه في الأمم الفتية البريطانية المتفرقة في أنحاء الإمبراطورية (أي أمم المستعمرات البريطانية) فقد نلت المرام.
ولبلوغ هذه الغاية نفتقر إلى التعليم، ولست أقصد بالتعليم مجرد درس الكتب واستظهارها بل تهذيب الأخلاق والتربية الأدبية الاجتماعية التي يتلقنها الأبناء من أمهاتهم، فإن بلادنا تفتقر إلى تعليم بناتها أشد افتقار، ومع أني من المحافظين بمعنى أني أطلب حفظ القديم على قدمه في بعض الأمور فإني من حزب الأحرار في هذا الأمر وأقول بوجوب تعليم البنات المصريات.
وإني واثق بأن مستقبل بلادي عظيم، ومتى سكنت الاضطرابات التي أثارتها هذه الحرب فستكون مصر ميدانا للارتقاء العظيم الأدبي والمادي، فلا يغرب عن بالك أن عندنا ثلاث مزايا عظيمة القيمة: نيل مصر، وشمس مصر، وفلاحي مصر الذين يزرعون تربة مصر الموصوفة بالخصب. وإني أعرف المزارعين المصريين حق المعرفة وأحبهم، ولست تجد قوما أقرب منهم إلى التقدم أو أكثر منهم دعة ودماثة أخلاق ولين عريكة وأوفر اجتهادا وهمة ونشاطا، ولكنهم يحتاجون إلى اليد التي تقودهم في السبيل الذي رسمه مؤسس بيتنا محمد علي الكبير. ومتى تعلم هذا الشعب صار شعبا عظيما. آه يا ليتني كنت أصغر مما أنا سنا بعشر سنوات ولكني سأفرغ قصارى جهدي وأبذل كل قوتي لخير مصر وسعادة أهلها في السنوات التي يشاء الله أن أعيشها.
وقال عظمته لحضرات أعضاء الجمعية الخيرية الإسلامية لدى تشرفهم بمقابلة عظمته:
إني وإن افترقت عنكم جسما فإن روحي لا تزال معكم، وإني أؤيدكم في كل عمل تعملونه لتخفيف آلام المحتاجين والمساكين، وإن جل ما أصبو إليه أن توفق الجمعية إلى نشر التعليم وتعميمه بين أبناء الفقراء وبناتهم، وإني أتمنى لكم النجاح في خدمتكم الجليلة.
Bog aan la aqoon