188
وذلك على عكس تحف البرنز والمشكاوات المموهة بالمينا، فإن كثيرا منها بأسماء الخلفاء والأمراء والسلاطين.
وقد كانت هذه القطع الخزفية أجزاء من صحن كبير قطره 52، وارتفاعه 13 سنتيمترا، وقوام زخرفته مراوح نخيلية (بالمت)، تلتقي أطرافها في قاع الصحن، وتتصل بها فروع نباتية، ووريقات غاية في الجمال والإتقان، وتتبع الطراز الزخرفي الذي نقله الطوليون إلى مصر. أما حافة الصحن فكان عليها شريط دائر من كتابة كوفية بسيطة وجميلة بحروف ذهبية اللون على أرضية بيضاء، ونص الباقي منها:
حاكم بأمر ... وعلى آبائه.
ولا ريب في أن هذا الصحن بجمال زخرفته، ودقة صنعته، وروعة الحروف الكوفية فيه، كان حقا تحفة ملكية بديعة.
189
ولننتقل الآن إلى مدرستي سعد ومسلم، فقد كانا على رأس هذه الصناعة في عصرهما، واشتغل بإشرافهما وإرشادهما، كما نسج على منوالها عدد كبير من الخزفيين، فكان لكل منهما مدرسة في هذا الفن، لها ذاتيتها، ولها ميزات سنحاول استقصاءها مما وصل إلينا من القطع، دون أن نذهب إلى أن آراءنا تعتبر فصل القول في هذا الشأن.
على أننا إذا جاز لنا أن نستنبط شيئا من التناسق والانسجام والرقة والرشاقة التي نراها في طراز سعد، أكثر مما نراها في طراز مسلم، ومن الشبه الكبير الذي نجده بين منتجات مسلم وبين منتجات العصر الطولوني، ومن المسحة الأولية التي تسودها القوة والحرية في الخزف الذي صنعه مسلم، نقول: إذا جاز لنا أن نستنبط شيئا من هذا كله، فربما استطعنا - دون قرائن أو أدلة قوية - أن نرجح أن مسلما عاش في أوائل العصر الفاطمي، وأن سعدا عاش بعده بقليل، أو لعله أدرك حكم المستنصر الطويل؛ ولكن الواقع أننا لا نستطيع أن نجزم بقول في هذا الشأن، ولا سيما إذا لاحظنا أن اسمي هذين الفنانين ليسا مكتوبين على كل القطع التي خرجت من مصنعيهما؛ فإن هناك تحفا كثيرة ليس عليها اسم صانع ما، ولكنها تنطق بنوع بريقها الذهبي، وأسلوب زخرفتها، وطريقة صنعتها بأنها من صناعة سعد أو مسلم، أو من صناعة خزفيين تربطهم وأحد هذين الصانعين رابطة الأستاذ وتلميذه أو الناسج على منواله، ومن ثم فإن الأفضل أن يكون حديثنا عن طراز مسلم أو مدرسته، وعن طراز سعد أو مدرسته وليس عنهما بالذات، فأكبر الظن أنهما كانا علمين اهتدي بهما في هذه الصناعة، وكان لكل منهما في عصره السلطان الأعظم على أهلها.
طراز مسلم
نرى الأواني في هذا الطراز مدهونة كلها بالطلاء حتى تكاد تختفي طينتها، أما حرف قاعدتها فمنخفض جدا، وتكسوه المينا فتخفي عجينته.
Bog aan la aqoon