جاء صوت صبياني رنان يغطي على صوت التمتمات حيث اندفع شاب إلى داخل المكان من دون سابق إنذار، ودفع بنفسه بين توم والسياط التي هوت أمام ناظريه.
تراجع المزارع وقد تملكته الدهشة وتقهقر الزنوج نحو الحائط، أما توم فقد استدار برأسه ونظر بعينيه المتعبتين الذاهلتين في وجه الغريب، فانفجرت شفتاه في صرخة مدوية مبتهجة: «سيدي جورج! سيدي جورج الشاب! الحمد للرب!»
لف جورج شيلبي ذراعيه حول جسد العبد العاري وقال وقد خنقته عبرة: «العم توم، العم توم العزيز، كنت أبحث عنك في كل مكان، لكنني وصلت في الوقت المناسب لأنقذك في النهاية! لكن هناك مسألة علي أن أسويها مع ذلك الشيطان قبل أن نذهب للمنزل.»
ومد يديه المرتعشتين ليفك الحبال عن توم، وكان وجهه أبيض حين التفت لينظر إلى لاجري. لكن المكان أصبح خاويا ولم يعد هناك سواه وتوم الذي كان يبكي في تلك اللحظة ويتضرع عند قدميه؛ ذلك أن المزارع كان جبانا رعديدا - شأنه في ذلك شأن جميع الطغاة - يخشى القانون الذي سينزل به عقابا في النهاية. بدا للسيد لاجري أن وصول الشاب الأبيض في نفس اللحظة التي قرر فيها قتل توم إنما هو من ترتيب إلهي، رغم أن الشاب في واقع الأمر كان يحاول مدة شهرين - منذ وفاة والده - العثور على خادمهم العجوز وصديقهم المخلص، وإعادته إلى مزارع ولاية كنتاكي. وكان وصوله - على قدر ما كان مواتيا - هو النتيجة الطبيعية للرحلة التي قام بها في أعالي النهر الأحمر الكدرة مياهه على متن باخرة صغيرة مبتذلة كانت قد توقفت بالقرب من مزرعة لاجري من أجل التزود بالفحم، بالإضافة إلى المعلومات التي جمعها قبل التوجه شمالا من نيو أورليانز، والتي تقول بأن رجلا يحمل اسم لاجري كان قد ابتاع أحد عبيد سانت كلير، الذي يدعى تو، ثم الكثير من الوقائع هنا، لكن من ذا الذي يمكنه أن يقول إن رب العالمين لم يكن يرشد ذلك المنقذ نحو سقيفة الجلد تلك؟ «سيدي جورج! سيدي جورج الشاب! الحمد للرب!»
حين أفاق توم من صدمة إنقاذه، شبك جورج ذارعه في ذراعه وخرجا من السقيفة وسارا معا نحو المنزل. نظر إليهم لاجري - الذي كان قد استجمع بعض شجاعته الآن - في عبوس واستهزاء وقال: «أعتقد أنك أتيت من أجل شراء ذلك الوغد الأسود. حسنا، أقول لك إنني لن أبيعك إياه.»
ثم راح يتبختر حول الشاب وكأنه يهدده، لكنه لم يكن يعلم شجاعة قلب وهدوء عقل الشاب الذي يتعامل معه.
أجاب جورج وهو ينظر في عيني المزارع الصغيرتين الوقحتين حتى زاغت عينا الأخير حرجا: «لكنك ستفعل! ستبيع توم وستسمح له أن يغادر معي هذا المكان في الحال، وإلا فستمثل أمام المحكمة في قضايا أكبر من تلك التي شهدتها قبل لحظات. هناك رجال بيض مستعدون ليشهدوا بالكثير مما يحدث هنا، وبما أنني رجل نبيل من ولاية كنتاكي، فسأقدمك بنفسي للعدالة! هيا، قم بإعداد الأوراق. سأدفع لك ما دفعته في توم.»
أخرج جورج الأموال وعدها.
نظر توم إلى الشاب ودموع الفخر والفرحة تترقرق في عينيه. في تلك الساعة كان الصبي قد أصبح شابا قويا قادرا على الدفاع عنه وحمايته. نظر إليه لاجري للحظة من خلال عينيه الضيقتين، لكن وجه الشاب كان ينم عن الصرامة والثبات، ثم انكب في النهاية على الطاولة وقد أطلق ضحكة هي أكثر بشاعة من كونها تأوها، وأخرج أدوات الكتابة وأعد وثيقة البيع.
أخرج جورج الأموال وعدها في شيء من نشوة إنجاز الأعمال، ودفعها إلى مراقب العبيد ثم استدار، بينما وضع الأوراق في جيبه - ومن دون أن ينطق بكلمة إلى لاجري - ومد يده إلى الرجل الأسود الواقف صامتا كالتمثال عند الباب وقال: «هيا أيها العم توم، إن منزلك وأصدقاءك القدامى ينتظرونك. العمة كلوي والأطفال يتلهفون إلى عودتك. سأحررك بمجرد أن تدخل من باب كوخك. أنصت! ذاك هو صوت صفير الباخرة عند رصيف المرفأ. هيا أيها العم توم، ينبغي علينا أن نعود إلى المنزل.»
Bog aan la aqoon