(1) السير المعاصرة
يعتمد كثير من السير المعاصرة لكليوباترا السابعة على النصوص الرومانية كمصدر أساسي لها. هذا ويدرك كثير من المؤرخين المعاصرين بوضوح أن مثل هذه النصوص تتسم بالتحيز السياسي أو الثقافي، لكن يبدو أنهم يستخدمونها دون تفكير كثير كما لو أنهم لا يملكون بديلا آخر. وهكذا ينظر إلى كليوباترا بوصفها ملكة أوروبية في حين أنها كانت في الحقيقة حاكمة لمصر.
تضم السير التقليدية سيرة مايكل جرانت (التي نشرت لأول مرة عام 1972)، وتظل أكثر رواية شاملة عنها قائمة على مصادر تاريخية. بالمثل توجد سيرة برادفورد (1971) المقسمة زمنيا وإلى حد ما وفقا للموضوعات الرئيسية. ومؤخرا ظهرت كتب تتناول موضوعات أوسع نطاقا مثل كليوباترا وحكم البطالمة في مصر (شوفو 2000، وترجمته الإنجليزية عام 2002). وفي عام 1997 نشر كتاب تاريخي عن كليوباترا ومصر في عهدها مصاحبا لبرنامج تليفزيوني صدر بعنوان تايم واتش (فوس 1997). تحدث كتابان شاملان عن أسطورة كليوباترا من تأليف هيوز هالت (1990) وهامر (1993)، ومؤخرا نشرت رويستر (2003) كتابا عن كليوباترا في الأدب والإعلام المعاصرين. بدأ الباحثون في العصر الحالي في دراسة جوانب معينة من حكم كليوباترا، ومثال على هذا كتاب كلاينر (2005) بعنوان «كليوباترا وروما»، لكنه حاد قليلا عن العنوان وضم أجزاء عن مصر مأخوذة في الأساس من كتالوج معرض المتحف البريطاني لعام 2001. وفي عام 2003 نشرت وقائع أحد المؤتمرات الذي عقد في المتحف البريطاني مصاحبا للمعرض (ووكر وأشتون)، وشكل ملخصا للأفكار التي عرضت فيها أساسا لكتاب أصغر حجما صدر في وقت قريب من تأليف نفس المؤلفتين (2006). قدم جونز (2006) مرجعا مفيدا، لكنه غير شامل، في الترجمة وسيشار إليه على مدار الكتاب، بالإضافة إلى ترجمات أكثر تخصصا للمصادر الرومانية. إن هذا ليس سردا كاملا للكتابات المتاحة بالإنجليزية عن هذا الموضوع، ولكنه يقدم للقارئ فكرة عن حجم الإصدارات الموجودة في هذا الموضوع. لا يحظى إلا عدد قليل من الشخصيات التاريخية الأخرى بمثل هذا الاهتمام. من غير السهل انتزاع كليوباترا من السياق التاريخي الروماني؛ ولذلك من السهل أن نرى السبب وراء فشل كثير من الكتاب في تحقيق هذا في سيرهم. لن نغفل في هذا الكتاب الحديث عن الرومان وتأثيرهم الكبير على الإطار العام لحياة كليوباترا، وإنما سنحاول رؤية هذه الملكة داخل سياق حياتها المصرية.
بالإضافة إلى الدراسات المتخصصة توجد أيضا كتالوجات المعارض، مثل كتالوج المعرض الذي نظمه المتحف البريطاني وأقيم في بالاتسو روسبولي في روما (2000) وفي المتحف الميداني في شيكاجو (2002). لم تكن هذه المرة الأولى التي تستضيف فيها الولايات المتحدة الأمريكية معرضا يدور موضوعه حول كليوباترا؛ ففي عام 1988 أقام متحف بروكلين معرضا تحت عنوان «عهد حكم كليوباترا البطلمي في مصر » (عمل من تحرير بيانشي 1988). ضم كتالوج المعرض مقالات لباحثين بارزين، أصبحت أبحاثا رئيسية حول عدد من جوانب تصوير هذه الشخصية الملكية البطلمية. اعتمدت المعروضات على مجال أوسع بكثير من كليوباترا نفسها وضمت آثارا من حكم سابقيها ولاحقيها أيضا.
يعتبر مثل هذه البدائل للسجل التاريخي المكتوب مهما لأنه يتيح لنا وسيلة لتقييم الطريقة التي كانت كليوباترا تتمنى أن تظهر بها ولا يجعلنا نراها مجرد شخصية ضمن تاريخ شخص آخر. عرض كثير من هذه المصادر في معرض خاص 2000-2002 تحت عنوان «كليوباترا ملكة مصر: بين التاريخ والأسطورة» وعرض على نحو مناسب في الكتالوج (ووكر وهيجز (تحرير) 2001). هذا ومن غير الممكن، أو في الواقع من غير المناسب دراسة كافة التفسيرات الممكنة لمثل هذه المعروضات في كتالوج كتب في الأساس لعامة الناس. لقد ألقى هذا المعرض والكتالوج المصاحب له الضوء على نقص الأبحاث العلمية الشاملة عن كثير من جوانب حياة هذه الملكة، خاصة صورتها كحاكمة مصرية. وفي وقت تأليفي لهذا الكتاب كان المجتمع العلمي قد قضى وقتا في إمعان التفكير في الأعمال التي عرضت في المعرض وأصبح من الممكن حاليا إعادة التفكير في طريقة تفسيرنا لشخصية كليوباترا السابعة.
على عكس كثير من السير السابقة للملكة، سيركز هذا الكتاب على طريقة شرح الأدلة التي لا تزال باقية والتفكير في تقييمات بديلة. تتمثل إحدى أكبر المشكلات التي تظهر عند التعامل مع حكم البطالمة في مصر في طبيعة هذا الموضوع متعدد التخصصات؛ فيبدو أن الدارسين المتخصصين في جانب واحد محدد من ثقافة البطالمة يواجهون صعوبات في فهم التفسير المقبول وغير المقبول للسمات الأساسية لهذه الثقافة، وينطبق هذا على وجه الخصوص على الأدلة المصرية. سنتحدث عن تلك المشكلات بالتفصيل في الفصول القادمة. (2) كتاب السيرة والمؤرخون الرومان التقليديون
تقدم الروايات التاريخية التقليدية وسيلة لدراسة رؤية الآخرين لكليوباترا، والأهم من هذا، أنها كانت وسيلة لفهم المزيد عن المجتمع الذي كتبت فيه. لمزيد من الإيضاح لا بد لنا من معرفة هوية هؤلاء المؤلفين القدماء والمناخ السياسي الذي كتبوا مؤلفاتهم فيه. سنجد أن أسماء كثير من هؤلاء الكتاب مألوفة لنا، ومع ذلك، من المهم أن نأخذ في الاعتبار خلفياتهم وانتماءاتهم السياسية من أجل تحديد مدى دقة «رواياتهم التاريخية». يوجد فيما يلي قائمة انتقائية لمؤلفين ذكروا كليوباترا مباشرة. هذا وسنقتبس أجزاء من أعمالهم على مدار الكتاب وسنقارنها بالأدلة الأثرية والأدلة التي ظهرت في الأعمال التاريخية الفنية عن حكم هذه الملكة. وعندما نتحدث عن المصادر الرومانية من المهم أن نتذكر أنه على الرغم من كتابة الأعمال في أثناء حكم الإمبراطورية الرومانية، فإن كثيرا من المؤلفين والمؤرخين كانوا إغريقا ويكتبون بالإغريقية. وسنذكر، قدر المستطاع، مسقط رأس كل مؤلف وهويته الثقافية باختصار تحت اسمه. (2-1) الكتاب الرومان المعاصرون
توجد أهمية خاصة لهذه المجموعة من الكتاب لأنها تسمح لنا بمعرفة وجهة نظر روما في كليوباترا في أثناء حياتها. لم يلعب يوليوس قيصر دورا مهما في حياة كليوباترا فحسب، بصفته والد أول أبنائها ووريثها المختار، وإنما كتب أيضا عن وصوله إلى مصر وإقامته فيها في عملين: «حرب الإسكندرية» و«الحروب الأهلية» (المجلد الثالث). لم يكن الكتابان سردا ذاتيا على الإطلاق، وإنما كتبا بضمير الغائب، وهو ما قد يشير إلى أن هذا العمل قد ألفه أولوس هيرتس أحد قادة جيشه. ذكرت كليوباترا في سياق وفاة القائد الروماني بومبي والوضع السياسي في مصر وقت وصول يوليوس قيصر («الحروب الأهلية» المجلد 3، الصفحات 103 و107 و108).
على العكس من أسلوب يوليوس قيصر في السرد التاريخي وانتمائه السياسي، كان الخطيب ورجل السياسة ماركوس توليوس شيشرون ناقدا شديدا لكليوباترا، وقد عاش تقريبا من عامي 106 إلى 43 قبل الميلاد (جونز 2006: 85-87). وتظهر خطابات شيشرون إلى أتيكاس أن الملكة كانت موضوعا للإشاعات خلال فترة إقامتها لمدة عامين في روما، بين عامي 46 و44 قبل الميلاد، في فيلا يوليوس قيصر. تعتبر هذه النصوص مهمة لأنها تؤرخ للفترة التي سبقت معركة أكتيوم، وتقدم تقريرا عن حياة الملكة في وقت كان ينظر إليها فيه على أنها تمثل تهديدا محتملا لروما منذ بداية اتصالها بإيطاليا.
كذلك لم يكن شيشرون في النهاية مؤيدا ليوليوس قيصر؛ إذ كان يفضل الانحياز سياسيا إلى القائد بومبي، الذي اشتبك مع يوليوس قيصر في الحرب الأهلية الرومانية. بعد ذلك، أيد شيشرون أوكتافيان وحاول في عامي 44 و42 قبل الميلاد إقناع مجلس الشيوخ بضرورة إعلان مارك أنطونيو عدوا للشعب، لكنه فشل في ذلك. ولدواعي المفارقة كان ولاء شيشرون لأوكتافيان سببا في دماره؛ إذ فقد شعبيته وقتل في السابع من ديسمبر عام 43 قبل الميلاد بعدما أصبح هو نفسه عدوا للدولة. (2-2) الكتاب الرومان في عصر أغسطس، بعد وفاة كليوباترا
Bog aan la aqoon