Kitab Jumal al-Gharaib li-Naysaburi wa-Ahammiyyatuhu fi 'Ilm Gharib al-Hadith
كتاب جمل الغرائب للنيسابوري وأهميته في علم غريب الحديث
Daabacaha
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
Noocyada
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، نبينا محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، وعلى من تمسك بسنته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن أشرف العلوم ما وُضِعَ لخدمة كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وقد اعتنى علماء الإسلام بهذين الأصلين اعتناءً عظيمًا لا نظير له في تاريخ الأمم. ومن أوائل فنون العلم التي نشأت لخدمة القرآن الكريم ما سمي بفن غريب القرآن. ورديفه من أنواع علم الحديث دُعي بفن غريب الحديث. والمقصود بالغريب هنا ما وقع في متن الحديث من لفظ أو أسلوب خفي معناه وأشكل لسبب من الأسباب، "وهو فن مهم يقبح جهله بأهل الحديث خاصة ثم أهل العلم عامة، والخوض فيه ليس بالهين، والخائض فيه حقيق بالتحري جدير بالتوقي" كما قال ابن الصلاح (٦٤٣هـ)، ونُقل أن الإمام أحمد بن حنبل ﵀ سئل عن حرف من غريب الحديث، فقال: "سَلُوا أصحاب الغريب، فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله ﷺ بالظن، فأخطئ" (١) .
وكان نشوء هذا الفن في القرن الثاني الهجري على أيدي علماء اللغة، ثم اضطلع به العلماء الذين كانوا بجانب تمكنهم من اللغة مشاركين في علم الحديث والفقه، فأبدعوا في التأليف فيه، وكان أولَهم أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (٢٢٤هـ) . ثم تتابعت المصنفات في هذا الفن، حتى أربى عددها -فيما بلغه علمنا- على مائة مصنف.
_________
(١) علوم الحديث: ٢٧٢.
1 / 1
وقد وصل إلينا معظم أمهات هذا الفن -على نقص في بعضها- وطبع، وهناك كتب لا تزال مخطوطة، ومنها كتاب «جمل الغرائب» لبيان الحق محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري من علماء القرن السادس الهجري.
ليس كتاب النيسابوري هذا من أصول هذا الفن، ولكن له مزية على نظائره من كتب المتأخرين. وهو أن مؤلفه استقى مادته من أصول كثيرة نص عليها في مقدمته. ومنها كتب الأوائل التي ضاعت فيما ضاع من تراث الإسلام، نحو كتب النضر بن شميل (٢٠٣هـ) وقطرب (٢٠٦هـ) وأبي عبيدة (٢١٠هـ) والأصمعي (٢١٦هـ) وأبي سعيد الضرير. ومن موارده كتاب لم أر مَنْ ذكره أو اقتبس منه ولا وقفت على ترجمة مؤلفه، وهو كتاب الأغفال لأبي بكر الحنبلي (١) . وقد وضع النيسابوري رموزًا لموارده ليثبتها قبل نقل الحديث وتفسيره منها. فهذا يعين على معرفة المادة التي احتوت عليها تلك الكتب الضائعة.
ثم رتب النيسابوري كتابه على الموضوعات مثل الجوامع والمسانيد من كتب الحديث. وهو منهج لم يسبقه فيه إلا أبو عدنان السلمي من أصحاب أبي زيد الأنصاري (٢١٥هـ) إذ رتب كتابه على أبواب السنن.
ولهاتين المزيتين -ولا سيما الأولى- رأيت أن أعرِّف بالكتاب المذكور في هذا البحث الذي أقدمه في المحور الثاني (الموضوع الحادي عشر) من محاور الندوة التي يعقدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عن السنة والسيرة النبوية.
_________
(١) ومن كتابنا هذا نقل حاجي خليفة عنوان الكتاب واسم مؤلفه في كشف الظنون: ١٣١.
1 / 2
وقد انتظم هذا البحث تمهيدًا وفصلين: فالتمهيد يشتمل على ذرو من القول في نشأة فن غريب الحديث، ومصنفاته المشهورة ومناهجها، مع الإلماع إلى أهم ما طبع منها وما لا يزال مخطوطًا. والفصل الأول في سيرة بيان الحق النيسابوري ومؤلفاته. وقد ترجم له ياقوت ترجمة مقتضبة، وعليها اعتمد السيوطي وغيره، فأثبتها أولًا، ثم أضفت إليها بعض المعلومات المستخرجة من كتب النيسابوري وغيرها. وتحدثت في الفصل الثاني عن الغرض من تأليف كتاب جمل الغرائب، وموارده، وترتيبه، ومنهجه في التلخيص والتفسير، وبعض المآخذ عليه.
وليس هذا البحث دراسة لكتاب جمل الغرائب، وإنما قصد به التعريف والتنويه. وليس بين يديّ عند إعداده إلا قسم من نص الكتاب مطبوعًا على الحاسوب، بعث به إلي من لندن الدكتور محمد راشد أيوب الإصلاحي الذي يحققه مستندًا إلى ثلاث نسخ، فجزاه الله أحسن الجزاء.
وإني لشاكر لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، على أن شَرَّفني بدعوتي للمشاركة في هذه الندوة التي تقام في مدينة رسولنا ﷺ، ويتحدث فيها المتحدثون عن سنته السنية وسيرته العطرة، فما أشرف المقام، وما أجل الموضوع، وما أطيب الحديث، وما أسعد المتحدثين!
أسأل الله ﷿ أن يتقبل أعمالنا، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يحيينا ويميتنا على طاعته وطاعة رسوله ﷺ.
1 / 3
التمهيد: لمحات عن علم غريب الحديث
متى نشأ علم غريب الحديث؟ وكيف كانت عناية أهل العلم به؟ وما أهم المصنفات فيه، وما وجوه التماثل والتفاضل فيما بينها؟ قد أبدع القول في هذا الموضوع من علمائنا المتقدمين: أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي (٣٨٨هـ) ثم مجد الدين بن الأثير الجزري (٦٠٦هـ)، فكلاهما كتب في مقدمة غريبه فصولًا بليغة أرَّخ فيها علم غريب الحديث ذاكرًا أهم الكتب التي ألفت فيه إلى زمنه، مبينًا عن مراتبها، وكاشفًا عن خصائصها التي ينفرد بها بعضها عن بعض.
أما الباحثون المعاصرون، فلعل أول من أرَّخ هذا العلم منهم هو الدكتور حسين نصار الذي عقد له فصلًا في كتابه "المعجم العربي – نشأته وتطوره" استغرق نحو ثلاث عشرة صفحة (١) .
ثم لما عني الدكتور شاكر الفحام بتحقيق كتاب الدلائل في غريب الحديث للعوفي (٣٠٢هـ) قَّدم بين يديه سلسلة مقالات نفيسة ضافية نشرها في سنتي ١٩٧٥ و١٩٧٦م في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، ودرس فيها تاريخ هذا العلم إلى عهد العوفي ومخطوطات كتابه دراسة بارعة متقنة.
وكتب الغريب التي نشرت، تصدَّرتها جميعًا مقدمات عرض فيها محققوها هذا الموضوع حسب طرائقهم في الاختصار أو الإطناب. ثم كتبت فيه بعض الرسائل الجامعية (٢) .
_________
(١) المعجم العربي ١: ٤٢-٥٤. ومن المعلوم أن الكتاب المذكور أصله رسالة علمية نوقشت في ٢٣/٦/١٩٥٣م، وطبعت لأول مرة سنة ١٩٥٦م.
(٢) ومنها رسالة ماجستير بعنوان "دراسات في غريب الحديث" أعدها الأستاذ بدر الزمان النيبالي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة ١٤٠٧هـ. ومنها رسالة أعدها إبراهيم يوسف في دار العلوم بالقاهرة بعنوان "غريب الحديث حتى نهاية القرن السادس، ذكرها محقق غريب الحربي في مراجعه ٣: ١٤٠٩.
1 / 4
ومع كل ذلك، فإن علم غريب الحديث لخليق بأن تقدَّم دراسة تاريخية له في هذه الندوة الكريمة مع عرض شامل لمصنفاته: ما وصل منها وما لم يصل، وما طبع منها ومالم يطبع. ولعل أحد الباحثين المشاركين في هذه الندوة سينهض بتلك الدراسة. أما هذا البحث الذي عُقد للتعريف بكتاب واحد من كتب غريب الحديث المخطوطة، فلا موضع فيه للتفصيل، فأكتفي هنا بالكلام على ثلاث نقاط تكون مدخلًا إلى موضوع البحث.
(١) نشأة علم غريب الحديث
ظهرت الكتب الأولى في غريب الحديث في القرن الثاني الهجري، ولكن من السابق إلى التأليف فيه؟ لم يجزم في ذلك أبو محمد عبد الله بن جعفر المعروف بابن درستويه (٣٤٧هـ) حينما تحدث عن كتب غريب الحديث فقال:
"وكتاب غريب الحديث أول من عمله أبو عبيدة معمر بن المثنى، وقطرب، والأخفش، والنضر بن شميل، ولم يأتوا بالأسانيد، وعمل أبو عدنان النحوي البصري كتابًا في غريب الحديث ذكر فيه الأسانيد... فجمع أبو عبيد عامة ما في كتبهم..." (١) .
فجعل ابن درستويه العلماء الأربعة بل الخمسة في قرن واحد، ولم يصرح بسبق بعضهم بعضًا، وإن استهل كلامه بذكر أبي عبيدة معمر بن المثنى؛
_________
(١) تاريخ بغداد ١٢: ٤٠٣، وانظر الإنباه ٣: ١٤.
1 / 5
خلافًا لحديثه فيما بعد عن غريب القرآن إذ صَرَّح فيه بأن "أول من صنف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى، ثم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش...". ولكن الحافظ أبا عبد الله الحاكم النيسابوري (٤٠٥هـ) قال جازمًا: "فأول مَنْ صنَّف الغريب في الإسلام النضر بن شميل (٢٠٣هـ) له فيه كتاب، هو عندنا بلا سماع. ثم صنف فيه أبو عبيد القاسم بن سلام" (١) . نقل أبو عمرو بن الصلاح (٦٤٣هـ) قول الحاكم في مقدمته، ثم عقب عليه: "ومنهم من خالفه، فقال: أول من صنف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى" (٢) .
وقد أيد شمس الدين السخاوي (٩٠٢هـ) في «فتح المغيث» قول الحاكم، فقال: "وهو الظاهر"، واستدل بأن النضر بن شميل "مات في سنة ثلاث وثمانين ومائة" ثم أكد ذلك حينما نعى على ابن الأثير (٦٠٦هـ) والمحب الطبري (٦٩٤هـ) ذهابهما إلى القول الثاني "مع أن وفاته -يعني أبا عبيدة- كانت في سنة عشر ومائتين بعد الأول -يعني النضر- بسبع وعشرين عامًا" (٣) .
ولا ريب أن ما قاله السخاوي وهم محض، فلا خلاف بين المؤرخين أن
_________
(١) معرفة علوم الحديث: ٨٨. وعليه اقتصر السيوطي في كتاب الوسائل في مسامرة الأوائل: ١٠١.
(٢) علوم الحديث: ٢٧٣. لخص السيوطي في آخر المزهر ٢: ٢٩٥-٤١٤ كتاب مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي (٣٥١هـ) وجاء في ضمن ترجمة أبي عبيدة (٢: ٤٠٢): "وهو أول من ألف في غريب الحديث" والسياق يدل على أن ذلك من كلام أبي الطيب مثل سابقه ولاحقه، ولكن هذه الجملة ليست في الكتاب المطبوع بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
(٣) فتح المغيث ٤: ٢٤. كذا في المطبوع "بسبع" والصواب: بسبعة.
1 / 6
النضر بن شميل توفي سنة ٢٠٣هـ وقيل سنة ٢٠٤هـ (١) . ولا حقيقة لهذا القيل إلا أنه "مات في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين، ودفن في أول المحرم" (٢)، فقال بعضهم إنه توفي سنة ٢٠٤هـ. أما أنه توفي سنة ١٨٣هـ قبل وفاة أبي عبيدة (٢١٠هـ) بسبعة وعشرين عامًا، فلم يقل بذلك أحد قبل السخاوي ولا بعده. ثم ولد أبو عبيدة سنة ١١٠هـ، وولد النضر في حدود سنة ١٢٢هـ فأولهما أقدم من الثاني باثني عشر عامًا. ولكن ليس في شيء من ذلك حجة على كون أحدهما سابقًا والآخر مسبوقًا في تأليف غريب الحديث، فإنهما على كل حال عاشا ثمانين سنة في زمن واحد.
والقول الثاني الذي ذكره ابن الصلاح هو الذي عَوَّل عليه ابن الأثير الجزري (٦٠٦هـ)، في مقدمة النهاية فقال: ".. فقيل إن أول من جمع في هذا الفن شيئًا وألف أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي، فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتابًا صغيرًا ذا أوراق معدودات... ثم جمع أبو الحسن النضر ابن شميل المازني بعده كتابًا في غريب الحديث أكبر من كتاب أبي عبيدة، وشرح فيه وبسط على صغر حجمه ولطفه، ثم جمع عبد الملك بن قريب الأصمعي..." (٣) .
لم يشر ابن الأثير -كما نرى- إلى قول الحاكم، وإنما ذكر قولًا واحدًا وهو أن أبا عبيدة سبق معاصره النضر بن شميل إلى التأليف في غريب الحديث وأكد ذلك باستعمال كلمتين: "ثم" و"بعده". ولم يكن افتتاح ابن الأثير
_________
(١) نزهة الألباء: ٧٥
(٢) سير أعلام النبلاء ٩: ٣٣١.
(٣) النهاية ١: ٥.
1 / 7
كلامه هنا بلفظة "قيل" للتضعيف، فإنه لم يشر البتة إلى قول آخر يرجحه في هذه المسألة، وإنما كان سبيله سبيل من يجد بين يديه قولين أو أكثر، فيختار منهما ما يستحسنه ويميل إليه، وإن كان لا يملك حجة قاطعة عليه.
وبالجملة فهما قولان مأثوران في هذه المسألة أشهرهما ما اختاره ابن الأثير "ويكاد الإجماع ينعقد عليه" كما يقول الدكتور محمود الطناحي (١) .
ولكن الدكتور حسين نصار ذهب إلى رأي ثالث وهو أن أول كتاب في هذا الفن ألَّفه أبو عدنان السلمي، ونسب ذلك إلى صاحب «الفهرست»، فقال: "عزا أكثر الباحثين الكتاب الأول في غريب الحديث إلى أبي عبيدة معمر بن المثنى (٢١٠هـ) تبعًا لابن الأثير. ولكن هذا القول يجب ألا يؤخذ قضية مسلمة، فقد نسب ابن النديم الكتاب الأول من هذا النوع إلى أبي عدنان عبد الرحمن بن عبد الأعلى". ثم نقل ما جاء في الفهرست: "وله... كتاب غريب الحديث، وترجمته (ما جاء من الحديث المأثور عن النبي ﷺ مفسرًا)، وعلى إثره ما فسر العلماء من السلف" (٢) .
وأيد ما فهمه من كلام ابن النديم بأن أبا عدنان "راوية لأبي البيداء الرياحي، وهو معاصر ليونس بن حبيب، أستاذ أبي عبيدة، فأبو عدنان إذن وأبو عبيدة متعاصران، ومن المحتمل أن يسبق أحدهما الآخر في التأليف في غريب الحديث، ولكن إذا كان لنا أن نعتمد على مؤرخ، فالأجدر بالترجيح ابن النديم؛ لأنه أقدمهم وأقربهم إلى عصر هؤلاء المؤرَّخ لهم، فنقدم بذلك أبا عدنان على أبي عبيدة".
_________
(١) في اللغة والأدب ١: ٣٩٧.
(٢) الفهرست: ٥١.
1 / 8
لم يصرح ابن النديم بأن أبا عدنان أول من ألف في غريب الحديث، ولكن الدكتور حسين نصار تأول كلامه على هذا، وذلك أنه زعم أن عنوان كتاب أبي عدنان: "ما جاء من الحديث المأثور عن النبي ﷺ مفسرًا" (١)، أما الجملة التي بعدها فهي كلام مستأنف، و"ما" في قوله "ما فسر" زائدة، وقصد به ابن النديم أن العلماء من السلف إنما فسروا غريب الحديث بعد أبي عدنان. وهذا التأويل لكلام ابن النديم يبدو صحيحًا لأول وهلة. ولكن يضعفه أمور منها:
١- لو قصد ابن النديم ما ذهب إليه حسين نصار لما كان لقوله "من السلف" وجه من الكلام، ولكان لغوًا من القول.
٢- نقل جمال الدين القفطي (٦٢٤هـ) ترجمة أبي عدنان عن الفهرست، وأورد عنوان كتابه على هذا الوجه: ".. وترجمته: ما جاء من الحديث المأثور عن النبي ﷺ مفسرًا على ما فسر العلماء" (٢) . وهذا يدل على أن الجملة التي فصلها الدكتور حسين نصار يراها القفطي جزءًا من عنوان الكتاب.
صحيح أن أبا عدنان معاصر لأبي عبيدة، ولكن عداده في أصحابه، فقد نص الصفدي في ترجمته على أنه "أخذ عن أبي زيد الأنصاري، وأبي عبيدة، والأصمعي وطبقتهم" (٣) . وكذلك ذكر القفطي في ترجمة شمر بن حمدويه الهروي (٢٥٥هـ) أنه لقي جماعة من أصحاب أبي
_________
(١) المعجم العربي ١: ٤٢-٤٣.
(٢) إنباه الرواة ٤: ١٤٨، وفيه: "في الحديث"، و"نشر" تحريف.
(٣) الوافي ١٨: ١٥٦.
1 / 9
عمرو الشيباني وأبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة والفراء، ثم عدَّ منهم: الرياشي (٢٥٧هـ) وأبا نصر (٢٣١هـ) وسلمة بن عاصم (٢٧٠هـ) وأبا عدنان (١) . وذكره أبو الطيب اللغوي مع أبي عكرمة الضبي صاحب كتاب الخيل (٢٥٠هـ) وقال: "وقد روى أبو عدنان عن أبي زيد كتبه كلها" (٢) .
فالظاهر أن ما ورد في الفهرست إلى قوله "العلماء من السلف" هو العنوان الكامل لكتاب أبي عدنان، ومعناه أنه أورد في كتابه أحاديث النبي ﷺ، وأتبعها بما فسرها به العلماء من السلف. ولعل في نص الفهرست شيئًا من الخلل يدل عليه ما نقله القفطي في كتاب الإنباه.
وقد أفضت الكلام في هذه المسألة لأمرين: أولهما أني لم أقف على مناقشة لهذا الرأي، والآخر أني ألفيت أحد الباحثين قد تأثر به، فافتتح الفصل الذي عقده في كتابه لإحصاء معاجم غريب الحديث بكتاب أبي عدنان السلمي (٣) .
(٢) الغرائب المشهورات ومناهجها
منذ أن ظهرت الكتب الأولى في غريب الحديث على أيدي علماء اللغة، لم تنقطع سلسلة التأليف في هذا الفن، فلم يخل عصر من العصور من الجامعين فيه. وقد بلغ عدد مصنفات غريب الحديث فيما أحصاه أحد الباحثين نحو
_________
(١) إنباه الرواة ٢: ٧٧.
(٢) مراتب النحويين: ١٤٤.
(٣) معجم المعاجم: ٢٣.
1 / 10
٩٠ كتابًا، مع أنه قد فاته ذكر بعض الكتب التي وصلت إلينا فضلًا عن غيرها (١) .
وقد تنوعت مناهج المؤلفين في ترتيب كتبهم وتفسير الغريب، أشير إليها في السطور الآتية بإيجاز، مع الإلماع في غضون ذلك إلى مكانتها:
١- منهج اللغويين الأوائل
وهو المنهج الذي اتبعه أبو عبيدة وغيره من علماء اللغة في القرنين الثاني والثالث، فكانوا يوردون الأحاديث دون ذكر أسانيدها، ثم يفسرون غريب ما فيها باختصار أو شيء من البسط (٢) .
٢- منهج أبي عدنان
كان أبو عدنان من أصحاب أبي عبيدة وأبي زيد وطبقتهما كما سبق، لكنه اختار لكتابه في غريب الحديث منهجًا جديدًا، فرتَّب كتابه على أبواب السنن والفقه وذكر فيه الأسانيد أيضًا، كما وصفه ابن درستويه.
٣- منهج أبي عبيد
لما ألف أبو عبيد القاسم بن سلام (٢٢٤هـ) كتابه الحافل وجمع فيه ما تفَّرق في كتب أبي عبيدة والأصمعي وغيرهما، وأضاف إليه أحاديث وآثارًا كثيرة أوردها مع أسانيدها. قدم أحاديث رسول الله ﷺ، وأتبعها آثار الصحابة ثم التابعين، جامعًا آثار كل منهم في مكان واحد. وامتاز تفسيره "بصحة المعنى وجودة الاستنباط وكثرة الفقه" (٣) . فصار كتابه قدوة "لما حواه
_________
(١) المرجع السابق: ٢٣-٤١.
(٢) انظر ما سبق من كلام ابن درستويه في الفقرة السابقة، ومقدمة غريب الخطابي ١: ٤٩-٥٠.
(٣) غريب الحديث للخطابي ١: ٥٠.
1 / 11
من الأحاديث والآثار الكثيرة، والمعاني اللطيفة والفوائد الجمة" (١) .
وحذا حذوه في هذا المنهج ابن قتيبة (٢٧٦هـ) الذي تتبع ما فات أبا عبيد، فاستدرك عليه في كتابه المشهور، وكذلك أبو محمد قاسم بن ثابت العوفي السرقسطي (٣٠٢هـ) في الأندلس، وأبو سليمان حمد بن محمد الخطابي (٣٨٨هـ) في المشرق، وكلاهما استدرك على ابن قتيبة، ولم يطلع الثاني على كتاب الأول.
وهذه الكتب الأربعة هي أمهات هذا الفن، وإن لم يشتهر كتاب العوفي –مع علو منزلته- في بلاد المشرق، لتأخر وصوله إليها.
وقد دارت حول هذه الأصول الجليلة مؤلفات كثيرة لشرحها أو اختصارها، أو ترتيبها، أو إصلاح غلطها، أو الانتصار لها، أو تفسير شواهدها، أو جمعها وتلخيصها في كتاب واحد.
١- منهج إبراهيم الحربي
انتهج أبو إسحاق إبراهيم الحربي (٢٨٥هـ) في كتابه منهجًا بديعًا إذ أراد أن يجمع فيه بين نظام المسانيد عند علماء الحديث ونظام التقاليب الذي اخترعه الخليل بن أحمد (١٧٥هـ)، فلم يسلم له هذا ولا ذاك. فإذا ذكر حديثًا من أحاديث صاحب المسند، ليفسر الكلمة الغريبة التي ورد فيها، أتبعه أحاديث من المسانيد الأخرى، وردت فيها ألفاظ من مادة الكلمة الأولى، وقد يقلب المادة ولا يكون في بعض تقاليبها حديث أو أثر، ولكنه يفسر ألفاظًا لغوية من تلك التقاليب (٢) .
_________
(١) النهاية في غريب الحديث والأثر ١: ٦.
(٢) انظر تفصيل هذه الخلاصة في مقدمة المحقق لغريبه ١: ٩٢-٩٦.
1 / 12
ثم أفاض في تفسير غريب الحديث وشرحه وأكثر من الاستشهاد، وأسند رواياته عن علماء اللغة وغيرهم، "فطال بذلك كتابه، وبسبب طوله ترك وهجر، وإن كان كثير الفوائد جم المنافع، فإن الرجل كان إمامًا حافظًا متفننًا عارفًا بالفقه والحديث واللغة والأدب" (١) .
وما وصل إلينا من كتاب الحربي شاهد بصحة ما وصفه به ابن الأثير.
١- منهج الهروي
كان أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (٤٠١هـ) صاحب الأزهري (٣٧٠هـ) معاصرًا للخطابي (٣٨٨هـ) . وهو أول من جمع في كتابه بين غريب القرآن وغريب الحديث، ولعل فكرة الجمع هي التي هدته إلى منهج جديد ميسر لترتيب كتابه، فاستخرج الألفاظ الغريبة من الأحاديث ورتبها على أصول حروفها بادئًا بالحرف الأول ملتزمًا بالثاني ثم الثالث إلا إذا خاف في كلمة ألا يفرق طلبة الحديث بين الحرف الأصلي والحرف الزائد فيها، فأثبتها في باب الحرف الأول منها وإن كان زائدًا. ثم كان شرطه الاختصار فحذف الأسانيد وقلل الشواهد، وأوجز التفسير، "فانتشر كتابه بهذا التسهيل والتيسير في البلاد والأمصار وصار هو العمدة في غريب الحديث والآثار" كما قال ابن الأثير (٢) .
واستدرك على كتاب الغريبين للهروي الحافظ أبو موسى محمد بن عمر المديني الأصفهاني (٥٨١هـ) فجمع ما فاته في كتاب مرتب على ترتيب الأول، ومقارب له في حجمه وفائدته.
_________
(١) النهاية ١: ٦.
(٢) المرجع السابق ١: ٩.
1 / 13
وعلى هذين الكتابين بنى مجد الدين بن الأثير (٦٠٦هـ) كتابه "النهاية في غريب الحديث والأثر" فاستخلص منهما مادة غريب الحديث، مشيرًا إلى كل منهما برمز خاص، ثم زاد عليهما زيادات كثيرة من الكتب الأخرى، فجمع كتابه بين مزيتين: مزية الإحاطة بغريب الحديث ومزية حسن الترتيب وقرب المأخذ، فطار صيته في الآفاق، واستغنى طلاب العلم به عن غيره من المصنفات.
٦- منهج الزمخشري
اتبع أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (٥٨٣هـ) منهج الهروي، غير أنه رأى أن الحديث الواحد عنده يتفرق في حروف مختلفة حسب الكلمات الغريبة التي وردت فيه، فحرص في كتابه الفائق على أن يورد الحديث، ويفسر ألفاظه الغريبة كلها في مكان واحد، فأدى ذلك إلى أن جاء كثير من الألفاظ في غير حروفها. فتدارك ذلك بالإشارة في آخر كل فصل إلى الكلمات الباقية منه والإحالة على مواضعها. ولعل النسخة التي اطلع عليها ابن الأثير من كتاب الفائق خلت من تلك الإحالات فقال: "ولكن في العثور على طلب الحديث منه كلفة ومشقة" وقال أيضًا: "فترد الكلمة في غير حروفها، وإذا تطلبها الإنسان تعب حتى يجدها" (١) .
هذه هي المناهج التي اتبعها أصحاب غريب الحديث في ترتيب مؤلفاتهم، ثم كان لكل كتاب منها سمات خاصة في تفسير الغريب لا موضع لتفصيلها هنا.
_________
(١) النهاية ١: ٩.
1 / 14
الكتب المذكورة آنفًا تناولت غرائب الأحاديث والآثار بصورة عامة. وهناك قسم من كتب الغريب قصرها مؤلفوها على كتاب من كتب الحديث، نحو تفسير غريب الموطأ لأبي عبد الله أصبغ بن الفرج بن سعيد (٢٢٥هـ)، وكتاب أبي عمر الزاهد (٣٤٥هـ) في تفسير غريب مسند الإمام أحمد بن حنبل، وشرح غريب كتاب الإمام البخاري لابن الصابوني (٤٢٣هـ) .
وقد أفرد أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري (٣٢٨هـ) رسائل لتفسير بعض الأحاديث نحو شرحه لغريب كلام هند بن أبي هالة في صفة رسول الله ﷺ، وشرحه غريب حديث أم زرع، وشرحه غريب خطبة عائشة أم المؤمنين في أبيها، ﵄. ولابن الأنباري كتاب مستقل في غريب الحديث أيضًا.
(٣) من الغرائب المخطوطة
لم يبق من تراث غريب الحديث إلا الثلث أو أزيد منه قليلًا. ونحمد الله سبحانه على أن معظم أصول هذا الفن ومصنفاته المشهورة قد وصلت إلينا وتم تحقيقها وطبعها. ومنها الكتب الأربعة الأمهات:
كتب أبي عبيد (١) وابن قتيبة (٢) والعوفي (السفران الثاني
_________
(١) صدرت طبعته الأولى في الهند عن دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن في أربعة مجلدات سنة ١٩٦٤-١٩٦٧م، ثم حققه الدكتور حسين شرف تحقيقًا علميًا نشره مجمع اللغة العربية بالقاهرة في خمسة مجلدات سنة ١٤٠٤- ١٤١٥هـ = ١٩٨٤-١٩٩٤م. ثم صدرت فهارسه في مجلد سنة ١٤١٩هـ = ١٩٩٩م.
(٢) طبع بتحقيق الدكتور عبد الله الجبوري ببغداد في ثلاثة أجزاء سنة ١٩٧٧م، ولم تكن في المخطوطات مخطوطة كاملة، فبقي فيها نقص. ولابن قتيبة أيضًا كتاب إصلاح الغلط في غريب الحديث لأبي عبيد حققه الدكتور الجبوري ونشرته دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة ١٩٨٣م.
1 / 15
والثالث) (١) والخطابي (٢) . ثم مجلدة -وهي المجلدة الخامسة- من كتاب الحربي (٣) ثم كتب الهروي (٤)، وأبي موسى المديني (٥)، والزمخشري (٦)، وابن الأثير (٧) . ثم كتاب عبد الملك بن حبيب القرطبي (٢٣٨هـ)، وكتاب أبي عبد الله محمد بن عبد الحق المالكي (٦٢٥هـ) في تفسير غريب الموطأ (٨)، وكتاب مشارق الأنوار في صحاح الآثار للقاضي
_________
(١) صدر الكتاب في ثلاثة مجلدات بتحقيق الدكتور محمد بن عبد الله القناص عن مكتبة العبيكان بالرياض سنة ١٤٢٢هـ. ولا تشتمل هذه الطبعة إلا على تحقيق ٣٧٦ صفحة من نسخة الرباط البالغة ٦١٤ صفحة. ولكن الناشر لم ينبه على هذا في أول الكتاب، فيحسب القارئ أنه يحتوي على ما وجد منه كاملًا.
(٢) طبع في جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة ١٤٠٢هـ بتحقيق عبد الكريم إبراهيم عزباوي.
(٣) نشرت هذه المجلدة جامعة أم القرى بمكة المكرمة، بتحقيق الدكتور سليمان بن إبراهيم العائد سنة ١٤٠٥هـ. وقد حظيت هذه النشرة بتحقيق علمي متقن، وطباعة رائقة فائقة. وليت غرائب أبي عبيد وابن قتيبة والخطابي أيضًا طبعت على غرارها!
(٤) صدر الجزء الأول بتحقيق الدكتور محمود الطناحي في القاهرة ثم صدرت طبعة كاملة في دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن سنة ١٤٠٧هـ. ونشرة أخرى كاملة صدرت عن المكتبة العصرية في بيروت سنة ١٤١٩هـ بتحقيق أحمد مزيد المزيدي.
(٥) نشر كتابه المجموع المغيث بتحقيق عبد الكريم إبراهيم عزباوي في جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة ١٤٠٦هـ.
(٦) طبع لأول مرة سنة ١٩٠٦م في دائرة المعارف النظامية بحيدرآباد الدكن، ثم صدر بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي عن دار إحياء الكتب العربية في القاهرة في السنوات ١٩٤٥-١٩٤٨م (ذخائر التراث: ٥٥١) .
(٧) طبع لأول مرة طبعة حجرية سنة ١٢٦٩هـ= ١٨٥٢م في طهران، ثم طبع غير مرة في القاهرة، قبل صدوره بتحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي في السنوات ١٩٦٣-١٩٦٦م (ذخائر التراث: ٣٩)، وقد نشر كتاب آخر لابن الأثير "منال الطالب في شرح طوال الغرائب" بتحقيق الدكتور محمود الطناحي في جامعة أم القرى سنة ١٤٠٣هـ.
(٨) صدر كتابه "تفسير غريب الموطأ" وكتاب ابن عبد الحق "الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب" كلاهما بتحقيق الدكتور عبد الرحمن العثيمين سنة ١٤٢١هـ عن مكتبة العبيكان بالرياض.
1 / 16
عياض (٥٤٤هـ) (١)، ومجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار لمحمد طاهر الفَتَّني (٩٨٦هـ) (٢) .
ومن رسائل أبي بكر بن الأنباري شرح خطبة عائشة ﵂ (٣) .
ومن كتب غريب الحديث التي لا تزال مخطوطة:
١- مجموع غريب الحديث لأبي منصور محمد بن عبد الجبار السمعاني (٤٥٠هـ) وهو من مصادر الصغاني في كتابي العباب والتكملة (٤) . وقد أشرت على أحد زملائي -وهو الدكتور عثمان نجران- بتحقيقه، ودللته على نسخته الثانية المحفوظة في المتحف البريطاني –وكانت مجهولة المؤلف- فنال بتحقيق قسم منه شهادة الدكتوراة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة ١٤٢٣هـ.
٢- مجمع الغرائب للحافظ أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي النيسابوري (٥٢٩هـ) (٥) .
٣- تقذية ما يقذي العين من هفوات كتاب الغريبين للحافظ أبي موسى المديني الإصبهاني (٥٨١هـ) صاحب كتاب المجموع المغيث (٦) .
_________
(١) كتاب مشهور طبع غير مرة.
(٢) طبع أولًا سنة ١٢٤٨هـ=١٨٣٢م في مطبعة نِوَلْكِشُور بمدينة لكناو (الهند) . ثم طبع عدة مرات في الهند، انظرها في كتاب معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية الباكستانية: ٢٥٩-٢٦٠. والطبعة التي بين يدي هي طبعة مكتبة دار الإيمان بالمدينة المنورة سنة ١٤١٥هـ.
(٣) نشره الدكتور صلاح الدين المنجد سنة ١٩٦٢م في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق. المجلد ٣: ٤١٤-٤٢٧.
(٤) التكملة والذيل والصلة ١: (المقدمة) . وبحوث وتحقيقات للميمني.
(٥) معجم المعاجم: ٣١.
(٦) تاريخ التراث العربي ٨:. ونسبه صاحب معجم المعاجم: ٤١ إلى "أبي الكرم عبد السلام بن محمد بن الحسن الحجي (من القرن السادس) " مع أنه ذكر نسخة بودليانا نفسها.
1 / 17
٤- إيجاز الغرائب وإنجاز الرغائب لجمال الدين عبد الرزاق بن أبي جعفر البيهقي النيسابوري (القرن السادس) .
وقد كنت قرأت في مذكرات الميمني ﵀ قوله في الكتاب المذكور: "كتاب في غرائب الألفاظ جليل جدا. مرتب كالمجمل" (١) فأغراني كلامه بالاطلاع عليه، ولكن لما وصلتني صورة من نسخته المحفوظة في مكتبة ولي الدين بتركيا وجدته كتابًا في غريب الحديث مبنيًا على اختصار شديد.
٥- مقاصد أبي عبيد في معرفة غرائب أحاديث النبي ﷺ لأبي منصور المظفر بن الحسين الفارسي (القرن الخامس) .
ذكرته هنا لأنه مما فات فؤاد سزكين ذكره في الكتب الدائرة حول كتاب أبي عبيد. ومنه نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وأصلها كتب سنة ٥١٣هـ.
٦- مجمع الغربائب ومنبع الفوائد لأبي عبد الله محمد بن محمد بن علي الكاشغري (٧٠٥هـ) . وقد حقق سنة ١٤٠٩هـ في رسالة ماجستير في جامعة أم القرى (٢) .
٧- جمل الغرائب لبيان الحق النيسابوري (القرن السادس) .
ولما كان هذا الكتاب الأخير قد انفرد ببعض المزايا رأيت أن أعرف به في هذه الندوة الكريمة، ولكن قبل أن أتحدث عنه يحسن أن نقف على سيرة مؤلفه.
_________
(١) مجلة معهد المخطوطات العربية ٢٩: ٧٩.
(٢) دليل الرسائل العلمية: ٣٦٤.
1 / 18
الفصل الأول: سيرة بيان الحق ومؤلفاته
مدخل
...
الفصل الأول: سيرة بيان الحق ومؤلفاته
من الطريف أن ثلاثة كتب من غرائب الحديث المخطوطة التي ذكرت في الفصل الماضي أصحابها من نيسابور، وأحدهم مشهور، وهو الحافظ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي (٤٥١-٥٢٩هـ) (١) والثاني مجهول وهو عبد الرزاق بن أبي جعفر البيهقي (٢) . والثالث صاحبنا بيان الحق الذي ترجم له ياقوت الحموي (٦٢٦هـ) في معجم الأدباء ترجمة قصيرة لا تشفي الغليل، فإنه لم يشر فيها إلى زمنه فضلًا عن مولده ووفاته (٣) .
وهذه الترجمة هي التي نقلها بنصها جلال الدين السيوطي (٩١١هـ) في بغية الوعاة (٤)، وعن السيوطي تلميذه شمس الدين الداودي (٩٤٥هـ) في طبقات المفسرين (٥) .
وقد أفاد الدكتور إحسان عباس في حاشية نشرته لمعجم الأدباء أن صلاح الدين الصفدي (٧٦٤هـ) ترجم لبيان الحق في الوافي، وعدَّ له كتبًا كثيرة، وأورد فاتحة كتابه إيجاز البيان.
لم أتمكن من الاطلاع على مخطوطة الوافي ولكن أظن أن الصفدي لم يأت بجديد فيما يتعلق بحياة بيان الحق، وإلا ذكره الدكتور إحسان عباس.
وإنني أورد هنا أولًا نص ترجمته من معجم الأدباء.
_________
(١) سير أعلام النبلاء ٢٠: ١٦ وانظر المصادر الأخرى لترجمته في الحاشية.
(٢) لم أصب له ترجمة. ولعل أباه أبو جعفر أحمد بن علي بن أبي جعفر البيهقي صاحب تاج المصادر المتوفى سنة ٥٤٤هـ، وهو مشهور. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء ٢٠: ٢٠٨-٢٠٩.
(٣) معجم الأدباء ٦: ٢٦٨٦.
(٤) بغية الوعاة ٢: ٢٧٧.
(٥) طبقات المفسرين ٢: ٣١١.
1 / 19
(١) ترجمته من معجم الأدباء
قال ياقوت: "محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري، الغزنوي، يلقب ببيان الحق.
كان عالمًا بارعًا مفسرًا لغويًا فقيهًا متفننًا فصيحًا.
له تصانيف ادعى فيها الإعجاز. منها كتاب خلق الإنسان، وجمل الغرائب في تفسير الحديث، وإيجاز البيان في معاني القرآن، وغير ذلك.
ومن شعره:
فلا تحقرَنْ خَلْقًا من الناس عَلَّه ... وَِليُّ إلهِ العالمين ولا تدري
فذو القدر عند الله يخفى على الورى ... كما خَفِيَتْ عن علمهم ليلةُ القدر" (١)
لا تشير هذه الترجمة إلى زمن المؤلف كما سبق، ومن ثم يعد ما أفاده إسماعيل باشا البغدادي من أنه أكمل كتابه إيجاز البيان عن معاني القرآن سنة ٥٥٣هـ بالخجند (٢)، أهم إضافة إلى ما جاء في كتاب ياقوت، فقد تعين بذلك زمن المؤلف.
ولعل البغدادي وقف على نسخة لكتاب إيجاز البيان ذكر في آخرها زمن تأليفه، فنقله منها. وليس بوسعنا توثيق هذا النقل؛ لأن النسخ الخمس التي عرفناها من كتاب إيجاز البيان خلت من ذكره. ونسخ جمل الغرائب، وباهر البرهان، وخلق الإنسان أيضًا لا تفيدنا في هذا الشأن، غير أن بعض الأخبار المذكورة في هذه الكتب تدل على أن بيان الحق عاش في القرن السادس الهجري.
_________
(١) في البغية: خافٍ.
(٢) هدية العارفين: ٤٠٣.
1 / 20