فأمن طونا على قول اللص قائلا: القاعدة المتبعة في مصر أن يسرق الأغنياء الفقراء، ولكن لا يجوز أن يسرق الفقراء الأغنياء.
وكان يتكلم وعيناه تحدقان في القدحين المترعين بنهم وجشع، فغير مجرى الحديث وقال باستياء: لماذا تتركان قدحيكما فتنة للشاربين؟
فابتسم إسفينيس وقال مسترسلا: هما لك يا طونا.
فتحلب ريقه وقبض على القدحين بيديه الغليظتين، مرسلا لمن حوله نظرات وعيد، ثم أفرغهما في جوفه قدحا إثر قدح، وتنهد بارتياح، وأدرك إسفينيس معنى الوعيد الذي يهدد به، فطلب للقريبين منه جعة ونبيذا مما يشتهون، فشرب الجميع وضجوا فرحين، وانطلقوا في الأحاديث والغناء والضحك، وكان الشقاء والفقر يرتسمان على وجوههم جميعا، ولكنهم بدوا في تلك الساعة سعداء ضاحكين لا يحسبون حسابا للغد، واندمج إسفينيس في جوهم جذلا مسرورا، تعتاده الكآبة بين الحين والحين، وقضى بينهم زمنا ليس بالقصير، حتى دخل الحانة رجل تدل هيئته على أنه منهم، فحياهم بإيماءة وطلب قدحا من الجعة، ثم قال لمن حوله بلهجة لا تدل على شيء: قبضوا على السيدة إبانا وساقوها إلى المحكمة.
ولم يعره الأكثرون التفاتا لما أذهل الشراب من عقولهم، وسأله آخرون: ولمه؟ - يقال إن ضابطا كبيرا من الرعاة اعترض سبيلها على شاطئ النيل، ورغب في أن يضمها إلى نسائه، فقاومته ودفعته عنها.
فزمجر الكثيرون، وسأله إسفينيس: وما عسى أن تصنع بها المحكمة؟
فحدجه الرجل بنظرة إنكار، وقال: ستحكم عليها بدفع غرامة لا قبل لها بها حتى تعجزها، فتأمر بجلدها بالسياط، والزج بها في السجن.
فتجهم وجه إسفينيس وامتقع، وقال للرجل: هل لك أن تدلنا على طريق المحكمة؟
فقال له طونا بتلعثم: الشراب أولى بذهنك، لأن من يدفع عن هذه المرأة يغضب الضابط الكبير، ويعرض نفسه لعاقبة غير مأمونة.
وسأله الرجل الذي أذاع الخبر: هل أنت غريب يا سيدي؟
Bog aan la aqoon