Khuraafaad: Hordhac Kooban
الخرافة: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
يختلف كارل بوبر (1902-1994) - فيلسوف العلوم المولود في فيينا، والذي استقر في نهاية المطاف في إنجلترا - عن تايلور اختلافا أكثر راديكالية من اختلاف هورتون عنه؛ أولا: لا يقدم تايلور أي تفسير على الإطلاق حول طريقة ظهور العلم، فيما يقدم الدين، بما فيه من أسطورة، تفسيرا شاملا، وغير قابل للدحض فيما يبدو، لجميع الأحداث في العالم المادي. ثانيا: لا يعتمد العلم في رأي تايلور على الأسطورة لكنه يحل محلها. أما بوبر، فيرى أن العلم ينبثق «من» الأسطورة؛ ليس من خلال «قبول» الأسطورة بل من خلال «نقدها»: «بناء عليه، يجب أن ينطلق العلم من الأساطير، ومن خلال نقد الأساطير.» ولا يقصد بوبر ب «النقد» هنا الرفض، بل التقييم الذي يصير علميا عندما يخضع لمحاولات دحض صحتها المزعومة.
يصل بوبر بطرحه إلى بعد أعمق، قائلا إن هناك أساطير علمية وأساطير دينية، وهو ما يتعارض مع قول تايلور الذي لم يقتبس منه بوبر إطلاقا. والفرق بين الأساطير العلمية والدينية لا يكمن في محتواها، بل في الموقف حيالها. فبينما تلاقي الأساطير الدينية قبولا حاسما، تتعرض الأساطير العلمية للتشكيك:
يتمثل طرحي في أن ما نطلق عليه «علما» يختلف عن الأساطير السابقة عليه، ليس لكونه مميزا عن الأسطورة، بل لارتباطه بتقليد ثانوي؛ ألا وهو تناول الأسطورة تناولا نقديا. قبل ذلك، كان هناك تقليد أساسي فقط ؛ إذ كان يجري تناقل قصة محددة لا تتغير. أما في ضوء نقد الأسطورة، يتم الإبقاء على تناقل القصة بالطبع، لكن مع مصاحبتها بشيء مثل نص صامت يصدر من شخصية ثانوية: «أنقل القصة إليك، لكن دلني، ما رأيك فيها. دقق النظر، فربما تستطيع تقديم قصة مختلفة» ... يجب أن نفهم أن العلم - من منظور ما - يعبر عن عملية صناعة الأساطير، شأنه شأن الدين. (بوبر، «تخمينات وتفنيدات»، ص127)
يرى بوبر أيضا أن النظريات العلمية «تحتفظ» بالطابع الخرافي؛ إذ إن النظريات، كالأساطير، لا يمكن إثباتها، بل يجري دحضها فحسب، ومن ثم «تظل غير مؤكدة أو افتراضية بصورة أساسية.»
ليس من الجلي ما عسى بوبر أن يقوله عن أسطورة أدونيس. فالأساطير التي تستحوذ على اهتمامه تنحصر في أساطير الخلق؛ لأنها تطرح تخمينات جريئة عن أصل العالم، ومن ثم تستهل عملية التنظير العلمي. جدير بالذكر أن بوبر نفسه ألف كتابا عنوانه «أسطورة إطار العمل»، وكان يعني بلفظة «أسطورة» في الكتاب ما يقصده ويليام روبنستاين في كتاب «أسطورة الإغاثة» باستخدام نفس اللفظة: أي القناعة المغلوطة الراسخة، التي لا يجب التمادي في اختبارها، بل وجب التخلي عنها!
شأنه شأن بوبر، يقول الفيلسوف المتخصص في الحضارتين اليونانية والرومانية القديمة - إنجليزي الجنسية - إف إم كورنفورد (1874-1943)، بأن العلم في اليونان انبثق من الأسطورة والدين. مع ذلك، يقصر كورنفورد قوله على محتوى الأسطورة، ولا يتطرق مطلقا إلى الموقف من الأسطورة. فهو يرى أن العلم يخلد المعتقدات الدينية والخرافية، وإن كان في صورة علمانية لادينية، ومن ثم يؤكد أن علم اليونانيين القدماء قطع صلته بالدين وصار علما تجريبيا. ولاحقا، قال كورنفورد إن علم اليونانيين القدماء لم يقطع صلته مع الدين على الإطلاق، ولم يصبح قط علما تجريبيا.
بينما يقارن تايلور نفسه بين قابلية العلم للاختبار وعدم قابلية الأسطورة له، لا يحدد طبيعة الاختبار:
إننا نتدرب على حقائق العلم المادي، التي يمكن اختبارها مرارا وتكرارا، ونشعر بالتراجع عن بلوغ هذا المستوى العالي من البرهان عندما نتحول بعقولنا إلى بيانات عتيقة تستعصي على الاختبار، بل ويقر الجميع على أنها تحتوي على عبارات لا يعتمد عليها . (تايلور، «الثقافة البدائية»، المجلد الأول، ص280)
مع ذلك، يجب أن يسمح تايلور للبدائيين بممارسة النقد؛ إذ لولا ذلك، كيف كان سيفسر الإحلال النهائي للعلم محل الأسطورة؟ ومن سوى الجيل الأخير من البدائيين كان حاضرا لوضع اللبنات الأولى للعلم، وإحلاله محل الأسطورة، وتشكيل الحداثة؟
هوامش
Bog aan la aqoon