Soo Koobid Taariikhda Ciraaq
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Noocyada
وأهل وادي الفراتين كأهل وادي النيل، ينقشون ألفاظهم على صفائح من الحجر، وإن كان الحجر عندهم أغلى وأندر مما هو في وادي النيل؛ لأن الجبال التي تقطع منها هذه الحجارة هي بعيدة عن مدن العراق، بخلاف المدن التي في وادي النيل، فإن مقاطع الحجارة قريبة منها.
وسكان وادي النيل كانوا يستعملون في أشغالهم المألوفة الورق المتخذ من البردي، وأما سكان وادي الرافدين فكانوا يستعملون في مثل هذا المقام الطابوق (الآجر) والشمامات والصفائح المتخذة كلها من الفخار، وقد وجد من هذه الرقم ألوف وألوف محفور عليها كلها أنواع الإفادات والأنباء، وكانت مدفونة تحت الأرض، وقد حفظت كتابتها أحسن حفظ كأنها خرجت اليوم من يد عاملها، وهناك ألوف غيرها تنتظر أيدي الحفارين ليبرزوها إلى عالم الظهور والمطالعة والاستفادة والإفادة، ومن وقف على بعض ما ورد في هذه الزبر الحجرية أو الفخارية يتحقق أن السلطة كثيرا ما انتقلت من يد إلى يد، ومن بيت إلى بيت، ومن قوم إلى قوم، ومن مدينة إلى مدينة، ومن الشمريين إلى الساميين، ومن الساميين إلى الشمريين، وذلك قبل المسيح بنحو 2800 سنة وبعدها. وليس هنا محل لإيراد أسماء ملوك الذين ملكوا في أرض شنعار قبل ألوف من السنين، ولا سيما أن أغلب هذه الأسماء لم تألفها آذاننا ولا تنطبق على أصول لغاتنا في هذا العهد، ولا بد من إيراد بعض منها لتكون بمنزلة مثال لما هناك من هذه التراكيب السمجة التي نستغني عن إيراد ما بقي منها، وهي نحو: لوجالشا جنجور، وأنشا جكوشانا، ولوجاليكجو بنيدود، ونحوها من الأسماء التي تصلح لأن تتخذ للطلاسم والعزائم، أو لإبعاد الجن والشياطين عن بني آدم، والمراد من إيرادنا بعض الأمور عن شنعار وأرض النيل أن أهالي ذلك العصر كانوا قد جروا شوطا بعيدا في الحضارة، وقد ابتعدوا كثيرا عن الإنسان الأول.
وفي ذلك العهد كانت الأرض تنقسم إلى قطرين: قطر قد ضربت عليه سرادق الجهل بظلماته، وقطر قد غرق في نور العلوم والمعارف، وهو المعروف أصحابه بالمتمدنين؛ فمدن القطر الذي كان واغلا في الحضارة قد تعارض المدن الكبرى الشرقية في عهدنا هذا بدون أن يلحقها أدنى شائبة، فإنك كنت ترى في تلك المدن طرقا طويلة ضيقة متمعجة، نشأت من حيطان البيوت العظيمة التي بنيت باللبن، وكانت معاطاتهم ومعاملاتهم تجري على أحسن وجه، وتكتب لإحكام أمورهم الوثائق والسندات والحجج والمقاولات والمبايعات والقرض، إلى غيرها، وكانت تختم بالخاتم على معجون الطين، ثم تشوى في النار لتحفظ من كل ضرر، وكانت فائدة توقيع هذه الخواتم بمنزلة توقيع الأسماء أو الإمضاءات في عهدنا هذا، وزد على هذا كله أنه أنشئ في عهد الملك حموربي دستور أحكام، ولعل هذا الملك قد سبق إلى مثل هذا الدستور، فلم يصل إلينا، أو أن مثل ذاك الدستور كان يجري بين الناس بالمعاطاة، بدون أن يكون مدونا على صفحات الصفائح، وكان لأهل ذلك العهد درجات في المقامات والمجالس على حد ما هي موجودة اليوم، وكان «لابن إنسان» بمقام ممتاز صرح، به دستور أحكام بابل، وهو يختلف عن مقام «الفقراء»، وكان في ذلك العهد المماليك والعبيد، كما كان يوجد رجال أحرار.
وكنت إذا خرجت من البلدة ترى طرقا واسعة، والأشجار عن يمينك ويسارك، وتلك الطرق تنحدر بك انحدارا وئيدا لا تشعر به، تغضي بك إلى المزارع أو الغابات أو غيطان النخل التي تزكو من سقي الفراتين أو من ماء الأنهر؛ لأنك إذا التفت إلى حيثما أردت كنت ترى الترع والجداول في كل جانب، وقد شقت لتسقي تلك الأرضين التي أصبحت كلها جنات بفضل المياه، ولا جرم أن الترع أو الأنهار لم تشق في وقت واحد، بل هي عمل أجيال
على وجه تلك البقعة المباركة، وفي بعض المواطن كانت مستنقعات عديدة عظيمة، فاتخذ لها مصارف ومجار؛ لكي لا تبقى في موطنها وتفسد الهواء، فانتفعوا بها بعد أن حولوها سواقي وجداول، وزرعوا ما جزر عن أرضها الماء، فجاءت مزارع زكية وبساتين بهية، وكان من أهم أمور كل حاكم من حكام بلاد شنعار ومن أعظم مفاخرهم أن يحفر أحدهم ما اندفن من الترع والأنهار، أو أن يشق أنهارا جديدة، وما كانوا يتفاخرون في غير هذا. وحيثما كان يدخل الماء بقعة كانت تتدفق فيه الخيرات والغلات، وتزكو فيه الأشجار، وتكثر فيه الأثمار، وقد ذكر هيرودوتس، الذي طوي بساط أيامه قبل المسيح بنحو خمسمائة سنة، ما هذا معربه:
من جميع البلاد التي نعرفها نرى أرض العراق أزكاها تربة، وأخصبها مادة للحنطة، ولم تحاول هذه أن تحمل تينا أو عنبا أو زيتونا،
2
لكن تزكو فيها سائر الحبوب أي زكاء، حتى إنها لتعوض عما لا تنبت من تلك الأثمار والأشجار، ولقد تؤتي الحبة الواحدة المزروعة مائتي ضعف، وقد يزداد على ذلك بعض السنين، فتفوق الأرض نفسها فتعطي بدل الحبة الواحدة ثلاثمائة حبة، وعرض ورق الحنطة والشعير يبلغ هناك أربع أصابع. هذا، ولا أذكر شيئا عن ارتفاع سوق الذرة والسمسم؛ لأني أظن أن الذين لم يكونوا في ديار العراق لا يصدقون أبدا ما ذكرته عن زكاء حبوبها، ومع كل ما يقال عن ثروة أرض العراق، فمساحة ما يمكن سقيه وزرعه محدود بخلاف ما يتصور عنه، فلقد ذكروا أن المساحة الكبرى التي أمكن أن تحرث وتزرع وتسقى في الزمان القديم كانت تتراوح بين 20000 و30000 كيلومتر مربع، والباقي - وهو 70000 كيلومتر مربع من الأرض الغريلية - كان يترك على حالته الأولى.
3
في العهد القديم كان الشنعاري إذا سار في أرضه فلا يقع طائر بصره إلا على غابات تزدحم فيها النخيل والغرب والصفصاف، ويمتد السهل بين يديه بقدر ما كان يبلغ بصره من مدى الأفق.
Bog aan la aqoon