Soo Koobid Taariikhda Ciraaq
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Noocyada
ومسألة قتل الشاه للسنة أنشأت في قلوب هؤلاء - ولا سيما في قلوب الأتراك - ضغينة لا تطفأ نارها. ولما برح الشاه الصفوي مدينة بغداد ترك فيها واليا إبراهيم خان، وكان بالنسبة إلى غيره من الولاة الإيرانيين أرفق بالناس، لكن لما مات الشاه إسماعيل وملك بعده أخوه محمد خدابنده (وكان أعمى وقد سملت عيناه حين ظهورهم في عالم السياسة) أرسل إلى بغداد جيشا، فقتلوا إبراهيم خان المذكور سنة 934 / 1527، وعينوا بدله رجلا طاغية لا يعرف قلبه الرحمة ولا الشفقة.
والأعجام لم يملكوا مدة طويلة في العراق؛ لأن قساوتهم الشديدة حملت الأهالي على الانتقام من أولئك الطغاة في أول فرصة يتمكنون منها، وكانت الرسل تذهب تترى إلى الأستانة؛ لتوقف أولي الأمر على حقائق الأحوال، وتطلعهم على ما يفعل الإيرانيون بالمتمسكين بالسنة النبوية، فصمم حينئذ السلطان سليمان خان على إنقاذ البلاد العراقية من أيدي الإيرانيين، فزحف عليها ومعه وزيره لطفي باشا، فقدم على مدينة سلطانية
1
وحاصرها واحتلها. ولما كان الشتاء سار السلطان إلى بغداد وملكها، وهرب حاكمها من قبل خدابنده، فدخلها السلطان بالأمان، فأرخ أحد الأدباء سنة دخوله فيها بقوله: «انفتح العراق» (934 يساوي 1527)، ثم أمر بتحصين سور بغداد، وجعلها من ملحقات المملكة العثمانية، وزار مشاهد كربلاء والكاظمين، ثم زار تربة أبي حنيفة، والشيخ عبد القادر الجيلي (الكيلاني)، وبنى لهما قبابا، وأوقف لهما أوقافا. ولما ولى الشتاء زحف السلطان سليمان على تبريز، فهرب الشاه خدابنده، وأرسل إليه بالهدايا وطلب الصلح، فصالحه السلطان على أن تكون بغداد للدولة العثمانية، وعاد سليمان إلى مقر سرير ملكه سنة 961 (1554)، وبقيت بغداد للدولة العثمانية، يأتيها وزير كل سنة يكون حاكما عليها من قبل السلطان، وبقيت الأمور تجري في أعنتها، والإيرانيون يحرقون الأرم ويريدون استرجاع العراق وانتشاله من أيدي الأتراك، لا سيما لأنهم كانوا يتذكرون أن هذه الديار كانت لهم في سابق الزمن، وكانت طيسفون (اليوم سلمان باك) مقر كبيرهم وملكهم، فكانوا يتحينون الفرص بلوغا لأمانيهم، حتى سنحت لهم سانحة بالوجه الآتي:
كانت الحكومة العثمانية قد عينت واليا على بغداد الوزير يوسف باشا، وكان في المدينة رجل اسمه بكر، كان في بدء أمره واحدا من الإنكشارية (الينيجرية) في حامية بغداد، ثم ساعده الحظ فصار «صوباشي»،
2
ثم آغا الصوباشية، لكن اشتهر باللقب الأول، فبقي معروفا ببكر الصوباشي، ثم خدمه السعد حتى غدا صاحب الأمر والنهي في العراق كله، وما كان يعين أحد لوظيفة إلا وكان له اطلاع على ذلك وبرضاه أو بفكره. فلما رأى أن يوسف باشا يزاحمه في أمره احتال عليه حتى قتله وتخلص منه، فخلا له الجو، ثم أخبر السلطان عثمان بوفاة وزيره وطلب إليه أن يقلده الوزارة عن بعد، فأبى السلطان أن يلبي طلبه؛ لوقوفه على خفايا الأمور، وأمر حافظ أحمد باشا أن يحاربه، فتوجه إليه وحاصر المدينة محاصرة شديدة؛ ليكره الصوباشي على التسليم. أما هذا فإنه لما كان يعلم عداوة الشاه للسلطان، وأن الشاه يتحين الفرص لاسترجاع بغداد، كتب إلى الشاه عباس خفية يحثه على المجيء ليسلم إليه مقاليد البلاد وأمورها، وتكون الخطبة والسكة له ويستأثر هو بالحكم فقط، فلبى الشاه طلبه وغادر مقره تحقيقا لما دعي إليه، فلما علم بهذا الأمر حافظ أحمد باشا وتحقق أن لا قبل له بمقاومة الشاه صالح بكرا الصوباشي، وخلع عليه خلعة الوزارة وولاه بغداد، ورحل منها إلى ديار بكر خوفا على حياته من غدر الوزير الجديد، أو من فتك الشاه عباس به. وفي تلك الأثناء قرب الشاه من دار السلام، وكتب إلى الصوباشي أن يسلمه إياها، فأجابه بكر: إني تصالحت مع السلطان فولاني الزوراء؛ ولهذا لا حاجة للمدينة إليك. فلما سمع الشاه هذا الكلام اشتعل غضبا وضيق الحصار على الحاضرة، حتى اضطر كثير من الفقراء إلى أكل أولادهم. فلما رأى هذه الحالة محافظ القلعة محمد بن بكر الصوباشي، وأن لا قبل لأبيه أن يقاوم مدة طويلة هذا الحصار الشديد، تبع هواه، فخان أباه وأرسل إلى الشاه يطلب إليه الأمان لحياته إذا فتح له باب القلعة، فأمنه الشاه، وفتح الابن الخائن باب القلعة ليلا، وأدخل عسكر الشاه اثنين اثنين، إلى أن دخل جميعهم، وما لاح جبين الصبح إلا ودقت طبول الشاه في القلعة ، فدخل المدينة وأمر جنوده بوضع السيف في أهاليها السنة، فقتل منهم أكثر من أربعين ألفا، وجمع كتبهم المذهبية وألقاها في دجلة، فجدد عباس ما كان قد ارتكبه هولاكو وتيمور لنك. وبعد هذه الفظائع نادى بالأمان، وهدم مرقدي أبي حنيفة والشيخ عبد القادر الجيلي، وأنفذ قاسم خان، فملك كركوك فالموصل، ومنها عاد إلى بغداد بعد أن عين لهما واليين من قبل الشاه، وكان ذلك في سنة 1032 / 1623؛ أي في السنة التي رقي فيها السلطان مراد الرابع عرش آبائه.
فهل يسكت السلطان الجديد عن هذه الأمور؟ وهل يمكنه أن يغفر لشاه الإيرانيين تلك الفظائع بدون أن يقابلها بما يقاربها؟ فبعد أن فكر السلطان مليا بما يفعله أودع الولاية خسرو باشا، وفوض إلى وزيره حافظ أحمد باشا - الذي كان قد استقر في ديار بكر - أن يستخلص بغداد من أيدي الأعداء بعد أن عينه رئيس عسكر (سر عسكر)، فنزلا بجنودهما على بغداد، وحاصراها أربعين يوما، إلا أن الشاه صفي قدم في تلك الأثناء، فخافا منه وانهزما إلى بلاد الروم. وبينما كان خسرو في تلك الأرجاء إذ قتل غيلة. وممن كان مع خسرو المذكور في أيام حصار المدينة رجل اسمه خليل باشا، فهذا الرجل أبى أن يرجع خائبا، فسار إلى الحلة وملكها، ولما قدم الشاه صفي ودخل بغداد أرسل عسكرا قبضوا عليه، فسجنه في بغداد ثم أطلق سراحه، ومرض الشاه صفي ابن الشاه عباس في بغداد، ومات فيها في سنة أخذه بغداد؛ أي سنة 1040 / 1630.
وفي سنة 1048 / 1638 قدم السلطان مراد الرابع، ونزل في جوار بغداد، وحاصرها حتى فتحها،
3
Bog aan la aqoon