283

Khulasat Athar

خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

Daabacaha

دار صادر

Goobta Daabacaadda

بيروت

تدلى لَيْلًا من السُّور وَانْهَزَمَ حَتَّى وصل إِلَى طرابلس سَرِيعا جدا فالتجأ إِلَى كرم بني سَيْفا فاستقبوله بالإجلال فَجَلَسَ هُنَاكَ شهورًا قَليلَة ثمَّ توجه إِلَى مصر وَحج وَاسْتمرّ بِمصْر حَتَّى ذهبت دولة جانبولاذ فَعَاد إِلَى حلب وَلبس ثِيَاب الصُّوفِيَّة وَجمع ليَالِي لجَمِيع الْمَشَايِخ والفقراء وَاتخذ لَهُ مجْلِس صَلَاة على النَّبِي
وَكَانَ يَأْتِي إِلَيْهِ نَحْو ألف إِنْسَان مَا بَين ذَاكر وناظر وَكَانَ يُطِيل مجْلِس الصَّلَاة وَالسَّلَام على النَّبِي
حَتَّى يمل الْمُصَلِّي وَالسَّامِع فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ الشَّيْخ أَبُو النَّصْر طريقتنا قسم تهليل وَلَيْسَ فِيهِ الصَّلَاة على النَّبِي
صَاحب التَّرْجَمَة يَقُول الصَّلَاة على النَّبِي
بَعضهم يرجحها فِي الْفضل على لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ طَال الْجِدَال بَينهمَا حَتَّى أصلح الشَّيْخ أَبُو النَّصْر مَسْجِدا كَانَ مَهْجُورًا واتخذه للذّكر فِي ليَالِي الْجمع فَكَانَ الْأَكْثَر من النَّاس يأْتونَ إِلَى الشَّيْخ أبي النَّصْر لكَون ذكره بالنغم والأساليب الْحَسَنَة مَعَ الْعِبَادَة ومجلس صَاحب التَّرْجَمَة عبَادَة مَحْضَة وَكَانَ كتب فِي إمضائه نقل من السّجل المصان فاعترضه الشَّيْخ أَبُو الْجُود وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الوفا وَكَانَ سَأَلَني وَأَنا شَاب لم كَانَ اسْم الْفَاعِل مَعَ فَاعله لَيْسَ بجملة وَالْفِعْل مَعَ فَاعله جملَة فأجبت بِأَنَّهُ لما لم يخْتَلف غيبَة وتكلما وخطابًا عومل مُعَاملَة الْمُفْردَات وَأما الْفِعْل مَعَ فَاعله لما اخْتلف عومل مُعَاملَة الْجمل فأعجبه وَمن نظمه حِين أحب أَخُوهُ شَابًّا يُقَال لَهُ مَحْمُود فَأَنْشد
(قد قلت للْأَخ لما زَاد فِي شغف ... ارْفُقْ بِنَفْسِك أَن الرِّفْق مَقْصُود)
(فَقَالَ لَا أَبْتَغِي عَن ذَا الْهوى بَدَلا ... هواي بَين أهيل الْعِشْق مَحْمُود)
وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَدفن فِي قُبُور الصَّالِحين
السُّلْطَان أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُرَاد السُّلْطَان الْأَعْظَم والخاقان الأفخم أعظم مُلُوك آل عُثْمَان وأحلمهم وَأكْرمهمْ كَانَ سُلْطَانا عَظِيم الْقدر جميل الذّكر محبًا للْعُلَمَاء وَآل الْبَيْت متمسكًا بِالسنةِ النَّبَوِيَّة حسن الِاعْتِقَاد معاشرًا لأرباب الْفَضَائِل سمح الْكَفّ جواد الاتزال إحساناته للْفُقَرَاء واصلة وعطاياه لأرباب الِاسْتِحْقَاق مترادفة وَكَانَ مائلًا إِلَى الْأَدَب والمحاضرات وَله شعر بالتركية ومخلصه على قَاعِدَة شعراء الرّوم بختى وَمِمَّا يرْوى لَهُ من الشّعْر العري قَوْله وأجاد
(ظَبْي يصول وَلَا اتِّصَال إِلَيْهِ ... جرح الْفُؤَاد بصارمي لحظيه)

1 / 284