Khulasat Athar
خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر
Daabacaha
دار صادر
Goobta Daabacaadda
بيروت
يصنع رَأْسا فَبَقيَ متلون الْأَحْوَال ينْتَقل من طور إِلَى طور فَتَارَة يلبس عِمَامَة الْعلمَاء الْكِبَار ولباسهم ويعقد حَلقَة درس يُفِيد فِيهَا الطلاب وَتارَة يسوح فِي الْجبَال عُريَانا مغلوب الْحيرَة فِي زِيّ المجانين إِلَى أَن ترك التلون وَاخْتَارَ السّكُون والتمكن وَأَنْشَأَ جَامعا وخانقاه وتكية واشتهر بِأَنَّهُ مِمَّن ينْفق من الْغَيْب أَو من صَنْعَة الكيميا ثمَّ ترقى بِهِ الْحَال إِلَى أَن أنشأ اثنيها وَثَلَاثِينَ موضعا زَوَايَا ومساجد وجوامع وَبنى مَالا يعد من الْمدَارِس الرفعية والقناطر المنيعة ووقف على كل أثر مِنْهَا أوقافًا عَظِيمَة وَعين للمقيمين والمسافرين نفقات وَكَانَ يبْذل فِي فكاك أسرى الْمُسلمين أَمْوَالًا كَثِيرَة وَكَانَ فِي شهر رَجَب وَشَعْبَان ورمضان يعْقد مَجْلِسا لقِرَاءَة التَّفْسِير وَالْبُخَارِيّ وَكَانَ يمِيل إِلَى تَحْصِيل نسخ مُتعَدِّدَة من البُخَارِيّ وَكَانَ من ملتزماته أَنه لَا يقبل هَدِيَّة من أحد إِلَّا إِذا أهْدى لَهُ البُخَارِيّ فَكَانَ يقبله ويقابل مهديه بأنواع الْإِحْسَان وَجمع من نفائس الْكتب مَالا يعد وَلَا يُحْصى وَمن جملَة مَا وجد فِي خزانَة كتبه ألف نُسْخَة من البُخَارِيّ وَقس عَلَيْهِ الْبَاقِي وَكَانَ مفرط السخاء مبذول الْعَطاء وَأكْثر مَا كَانَ ينْفق مَاله على أسرى الْمُسلمين حكى أَنه أوصى يَوْمًا خُدَّامه أَن يجلبوا لَهُ مَا يَكْفِي كسْوَة سَبْعمِائة نفس من ثوب وقميص وشاش وحزام قاسومة فامتثلوا وَصيته وأحضروا ذَلِك وَلم يدروا السِّرّ فِي ذَلِك فَمَا تمّ جمع مَا طلب إِلَّا وصل الْخَبَر أَن ثَلَاث غلايين من غلايين الفرنج قد انْكَسَرت فِي قرب سَاحل تونس وفيهَا سَبْعمِائة أَسِير من الْمُسلمين فخلصوا جَمِيعًا وأحضروا إِلَى زَاوِيَة الشَّيْخ فألبسهم مَا أعد لَهُم من اللبَاس وَأكْرمهمْ وحياهم وَحكى أَن رجلا من الْجند مر لَيْلَة بِمحل فِي نواحي تونس فَرَأى حجرا عَظِيما قد ارْتَفع وانفتحت تَحْتَهُ مغارة فَرَأى المغارة ملآنة بِالذَّهَب المسكوك فَدَخلَهَا وملأ جيبه وذيله مِنْهَا فَلَمَّا أَرَادَ الْخُرُوج رأى الْبَاب قد انسد فَذهب عقله ثمَّ وضع الدَّنَانِير الَّتِي أَخذهَا مَكَانهَا وَتوجه نَحْو الْبَاب فَرَآهُ مَفْتُوحًا فكرر الْأَخْذ وتكرر انسداد الْبَاب فَعِنْدَ ذَلِك قنع بالتفرج وَخرج ثمَّ بعد أَيَّام مر بذلك الْمحل فَرَأى رجلا قد دخل وعبى عبه مَعَه من ذَلِك الذَّهَب وَخرج ثمَّ حمله على بغل كَانَ مَعَه فَسَأَلَهُ العسكري من أَنْت فَقَالَ أَنا خَادِم شيخ الشُّيُوخ أبي الْغَيْث وَهَذِه الخزينة نصِيبه إِذا أَمرنِي بِنَقْل شَيْء مِنْهَا جِئْت فَأرى الْبَاب مَفْتُوحًا فَأدْخل وآخذ مِنْهَا مِقْدَار مَا يُعينهُ لي ثمَّ أخرج وَلَيْسَ لأحد غَيره فِيهَا نصيب وَنقل أَنه كَانَ إِذا قع خِيَانَة فِيهَا من أحد فَفِي الْحَال يَنْقَلِب الذَّهَب فحمًا أسود وَاتفقَ لبَعض النَّاس أَنه أبرم على الْخَادِم مرّة فِي تنَاول شَيْء مِنْهَا
1 / 141