Khulasa Yawmiyya Wa Shudhur
خلاصة اليومية والشذور
Noocyada
الكاتب والشاعر
الكاتب من تتشخص له في كتابته روح يتجلى فيها نهجه ومذهبه وسياق أفكاره، وهذه الروح هي السمة التي تميز بين قلم وقلم، فإذا كانت تتضاهى أنساق الأيدي، فأنساق العقول لا تتضاهي إلا إذا كان منحاها فيها التقليد لا الابتكار، أما غير هذا الكاتب ممن يستمدون ويخططون، فأولئك نساخ يستعيرون أساليب غيرهم لمعاني غيرهم، فليس لهم من كتاباتهم إلا الإمضاء، أو هم توائم لا يعرفون إلا بالأسماء.
وكتابات هذه الزمرة أقرب إلى مواضيع إنشاء التلاميذ منها إلى ثمار القرائح ومبتكرات الأفكار، فالترجمة أليق ما ينتسب به هؤلاء إلى حرفة الكتابة، هذا إذا كانوا يجيدون لغة من اللغات وإلا ففي غير الكتابة من الحرف ما يغنيهم عن تلويث أصابعهم بالمداد.
أما الشاعر فاسمه بلغتنا يشير إلى تعريفه، ولعل معجما من معاجم اللغات لا يتضمن اسما للشاعر أدل على مسماه من اسمه في اللغة العربية.
قد عرفنا أن وزن الأعاريض غير قرض الشعر، ولكن من هو الشاعر؟
أهو المقصد الذي لا يعجز عن ترصيع قصائده بما يبهر ويخلب من الخواطر البراقة والمعاني الخطابية المتلألئة؟
كلا! هذا شاعر يذكرني بصاحب ذوق مبهرج يريد أن يزين غرفته بالرسوم فيرصص سجوفها وحوائطها بالإطارات والكفافات حتى لا يبرز منها قرن أو تظهر فيها زاوية، أو بذاك المصور الذي يصبغ رسمه ببهي النقوش وبهيج الألوان ليبهر بها أبصار الناظرين، أو بتلك القروية التي تحلي يديها فتدس عشرة أصابعها في أنابيب من مختلف الخواتم والفصوص.
فليس الشاعر من يزن التفاعيل، ذلك ناظم أو غير ناثر، وليس الشاعر بصاحب الكلام الفخم واللفظ الجزل، ذلك ليس بشاعر أكثر مما هو كاتب أو خطيب، وليس الشاعر من يأتي برائع المجازات وبعيد التصورات، ذلك رجل ثاقب الذهن حديد الخيال.
إنما الشاعر من يشعر ويشعر.
ولقد ضاع الشعر العربي بين قوم صرفوه في تجنيس الألفاظ وقوم صرفوه في تزويق المعاني، فما كان شعرا بالمعنى الحقيقي إلا في أيام الجاهليين والمخضرمين على ضيق دائرة المعاني عندهم، وسيعود كذلك في هذه الأيام على يد أفاضل شعراء العصر.
Bog aan la aqoon