Khadka iyo Isbedelka Bulshada
الخطاب والتغير الاجتماعي
Noocyada
ترتبط ببعض الممارسات المعينة داخل المؤسسات وفيما بينها «سلاسل تناصية» معينة، وهي سلاسل من أنماط نصوص يرتبط بعضها بالبعض من خلال تحولات معينة، بمعنى أن كل حلقة في السلسلة تتحول إلى حلقة أخرى أو إلى أكثر من حلقة واحدة بطرائق منتظمة يمكن التنبؤ بها (فيما يتعلق بالتحول، انظر كريستيفا، 1986م، أ؛ هودج وكريس، 1988؛ وانظر مناقشة علم اللغة النقدي في الفصل الأول عاليه). وهذه السلاسل تتابعية أو أفقية، على عكس علاقات التناص الرأسية التي نوقشت في القسم السابق تحت عنوان التداخل الخطابي. وتحديد السلاسل التناصية التي يدخلها نمط معين من أنماط الخطاب مفيد في تحديد «توزيعه»، ولك أن ترجع إلى المناقشة السابقة لإنتاج النصوص وتوزيعها واستهلاكها. ومن الأمثلة البسيطة السلسلة التي تربط ما بين الاستشارات الطبية وبين السجلات الطبية؛ إذ من المعتاد أن يحول الأطباء النوع الأول إلى النوع الثاني. ولما كانت توجد أعداد منوعة هائلة من الأنماط المختلفة للنصوص، فمن المحتمل، من ناحية المبدأ، أن توجد أعداد هائلة بل يصعب تحديدها من السلاسل التناصية فيما بينها. ومع ذلك فمن المحتمل أن العدد الفعلي لهذه السلاسل محدود، فالمؤسسات والممارسات الاجتماعية ترتبط بطرائق محددة، وهو جانب من جوانب البناء الاجتماعي الذي يمثل قيدا على السلاسل التناصية. (بل إن دراسة السلاسل التناصية الفعلية أسلوب من أساليب الفهم العميق لهذا البعد من أبعاد البناء الاجتماعي.)
وقد تتسم السلاسل التناصية بالتركيب الشديد، مثل ما يتعلق منها بنصوص الدبلوماسية الدولية والمفاوضات الخاصة بالأسلحة. فإذا ألقى الرئيس جورباتشيف خطابا رئيسيا، فسوف يتحول إلى نصوص من أنماط منوعة في أجهزة الإعلام في كل بلد من بلدان العالم، إذ يتحول إلى أنباء وتحليلات وتعليقات من جانب الدبلوماسيين، وإلى كتب ومقالات أكاديمية، وإلى خطب أخرى تشرحه، أو تقدم تفصيلات له، أو ترد عليه، وما إلى هذا بسبيل. ومن ناحية أخرى، فمن المحتمل أن يقتصر تحول مقولة قيلت أثناء محادثة عارضة إلى صيغ أعاد المشاركون في المحادثة صوغهم لها، وربما إلى أنباء يحملها الآخرون عنها. وهكذا فإن أنماط النصوص المختلفة تتفاوت جذريا فيما تدخله من شبكات التوزيع وسلاسل التناص، ومن ثم فيما تتعرض له من أنواع التحولات. وعلى الرغم من أن واضعي خطاب جورباتشيف لا يستطيعون التنبؤ بالتفصيل بالحلقات الكثيرة لإنتاج النصوص واستهلاكها، فمن المحتمل أن يبنوه بأسلوب مناسب لردود الأفعال المتوقعة من الأنماط الرئيسية للجمهور. وتعتبر أمثال هذه التوقعات المركبة، كما سبق أن ذكرت، مصدرا للالتباس وعدم التجانس، ومن الأرجح أن تكون النصوص ذات سلاسل التناص المركبة أقرب إلى الاتصاف بهذه الخصائص من غيرها.
وقد تكون التحولات بين أنماط النصوص في سلسلة تناصية ذات ضروب منوعة، فقد تتضمن أشكالا من التناص السافر، مثل التمثيل الخطابي، وقد تكون على العكس من ذلك غير مركزة؛ إذ إن ما يمكن تفسيره بأنه عناصر مشتركة بين أنماط نصية مختلفة قد يتجلى على مستويات مختلفة وبطرائق تتفاوت تفاوتا جذريا، فقد يتبدى في المفردات طورا، أو في السرد والاستعارات طورا آخر، أو في الاختيارات من الأشكال النحوية المتاحة، أو في طريقة تنظيم الحوار. فعلى سبيل المثال، قد نجد في كتاب عن النظرية التربوية وصفا نظريا لتمرين تعاوني يشترك الجميع فيه على قدم المساواة في قاعة الدرس، ونلاحظ أن الكتاب يركز على تشكيل مفردات موضوعه أساسا، في حين أن التمرين المذكور قد يعبر عن النظرية نفسها من خلال تنظيم الحوار بين المعلم والتلاميذ، وقد تظهر النظرية في حديث في غرفة الأساتذة (أو في مقابلات شخصية بحثية) في صورة الاستعارات التي يستخدمها المعلم في الحديث عن تلاميذه وعلاقته بهم (كأن تثار قضية عمل التلاميذ في «مجموعات» أو «فرق» أو حتى على شكل «فصائل أداء المهمات»).
فلننظر في مثال واقعي مقتطف من كتاب فيركلف (1990م، أ). كانت الخطب التي ألقاها اللورد ينج عندما كان وزيرا للتجارة والصناعة في الفترة من 1985م إلى 1988م عنصرا رئيسيا من عناصر بلورة مفهوم «ثقافة المبادرة الفردية» وممارساتها وسياساتها. وكان اللورد ينج هو الذي غير اسم وزارته إلى «وزارة المبادرة الفردية». وقد أخضع في خطبه تعبير «المبادرة الفردية» إلى عملية هندسة دلالية (وهي تناقش بمزيد من التفصيل أدناه، في الفصل السادس) بحيث غدت الكلمة تجمع عددا من الصفات المرتبطة بتنظيم العمل وإدارته، وفق مفهوم دعاة ثقافة المبادرة، بما في ذلك الاعتماد على النفس والإنجاز الفردي. وتوجد فيما يظهر علاقة في هذه الخطب بين البناء النظري للذوات القادرة على المبادرة، أي «النفس ذات الهمة»، وبين الدعاية التي قامت بها وزارة التجارة والصناعة لصالح «مبادرة الإنجاز الفردي» التي أتى بها ينج؛ إذ يتحول مضمون مفردات الخطب هنا إلى أسلوب توصيلي معين.
وقد أصدرت وزارة التجارة والصناعة كتيبا يتضمن مقالا يعالج «مبادرة التسويق» بصفة خاصة، وتلخصه على النحو التالي: «جوهر التسويق الجيد تلبية حاجات عملائك، لا إنفاق الوقت والمال في إقناعهم بالحصول على ما لديك. وهكذا فمن المهم، سواء كنت تبيع ما لديك داخل البلد أو خارجها، أن تفهم السوق وتفهم منافسيك.» ويأتي هذا الملخص في قسم التوجه الافتتاحي للمقال، وهو يشبه باقي أقسام التوجه في المقال، في أنه يتكون من مقولات مباشرة قاطعة عن الممارسة التجارية، وهي مقولات لا بد أن تبدو بديهيات لجمهور التجار الذي يخاطبه الكتيب، أو تتضمن تهديدا، مثل التهديد الوارد في الجملة الثانية، لبعض الأعمال التجارية. والملاحظ أنها جملة منفية بمعنى أنها تفترض سلفا أن بعض هذه المنشآت التجارية تبذل الوقت والمال في محاولة إقناع الناس بشراء ما لديها. ومن ثم فللمرء أن يتوقع أن يجد القراء من رجال الأعمال في أمثال هذه التوجهات مصدر ضيق و/أو إساءة لهم. لكنني أتصور أنهم سوف يفسرونها تفسيرا مختلفا تماما. فذو «الهمة» - بالمعنى الذي يقصده ينج - شخص يستطيع أن يتكلم وأن يصغي لغيره دون لف ولا دوران، وربما يكون الهدف الذي تحاول هذه التوجهات تحقيقه يجمع بين إضفاء هوية المبادرة على الوزارة المذكورة، وتقديم نموذج للشخص الذي يتمتع بالهمة وسلوك المبادرة إلى التجار. أي إن طبيعة «النفس ذات الهمة» تظهر، لا في مفردات الخطب وحسب، بل أيضا في أسلوب الكتابة (الذي يوحي بأسلوب الكلام) في الكتيب.
ومن المحتمل أن تشكل السلاسل التناصية علاقات تحويل مستقرة نسبيا بين أنماط النصوص (مثل العلاقات بين الاستشارات الطبية والسجلات الطبية أو النظم المعتادة لتحويل التقارير إلى مقالات صحفية)، ولكن هذه سرعان ما تصبح خطوط توتر وتغيير ، وقنوات استعمار واستثمار لأنماط النصوص، ومسارات للطعن في العلاقات ما بين أنماط النصوص. وهذا هو نهج تفسير السلاسل التناصية المرتبطة بثقافة المبادرة؛ إذ تتعرض النصوص في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية وأجهزة الإعلام، بل والدعاية الرسمية، مثل ما نشهده في كتيب وزارة التجارة والصناعة، للاستعمار من جانب معان مرتبطة بثقافة المبادرة النابعة من بعض المصادر، مثل خطب ينج، لإكسابها أيديولوجيات المبادرة والاستراتيجيات السياسية لليمين الجديد، أي إن الخطوط والقنوات القائمة داخل السلاسل التناصية تستغل لتحقيق أغراض استراتيجية.
التناص وترابط المعنى والذوات
تترتب على ظاهرة التناص آثار مهمة لقضية من القضايا الرئيسية في هذا الكتاب، ألا وهي تشكيل الذوات من خلال النصوص وإسهام الممارسات الخطابية المتغيرة في إحداث تغييرات في الهوية الاجتماعية (انظر كريستيفا، 1986م، ب؛ وثريد جولد 1988م، وطولبوت - تحت الطبع). فإن تناص النصوص يؤدي إلى تعقيد عمليات تفسير النصوص التي نوقشت عاليه، إذ يضطر المفسرون، في سبيل تحديد معاني النصوص، إلى إيجاد طرق للجمع بين العناصر المنوعة للنصوص؛ بحيث تشكل معنى كليا مترابطا، وإن لم يكن بالضرورة موحدا أو قاطعا أو بريئا من الالتباس. ومن اليسير أن نعتبر ذلك إنجازا حققه المفسرون وحسب، وهو ما يعني ضمنا وضع المفسرين باعتبارهم ذواتا خطابية فوق التناص وخارجه، أي بصفتهم قادرين على التحكم في عمليات خطابية منفصلة عنهم. ومثل هذه النظرة يفترض الوجود السابق لذوات اجتماعية خطابية - بصورة غير مفهومة - من قبل وقوع الممارسات الاجتماعية والخطابية، ويغفل إسهام هذه الممارسات في تكوين الذوات وفي تغييرها على مر الزمن. والموقف الذي سوف أتخذه هنا يقول: إن التناص، وعلاقات التناص التي تتغير باستمرار في الخطاب، لا مندوحة عنها في تفهم عمليات تكوين الذوات. وينطبق هذا على المقياس الزمني البيوغرافي، أي أثناء حياة الفرد، مثلما ينطبق على تكوين الفئات الاجتماعية والمجتمعات المحلية وإعادة تكوينها.
ويقدم كريس (1987م) مثالا يؤكد الأهمية الاجتماعية لمثل هذه العمليات الخطابية؛ إذ يحلل عينات من نصوص تعليمية ذات أنماط منوعة، ويقول: إن طبيعة تناصها تتضمن عناصر مشتركة مع الخطاب الإعلاني . إذ نجد، على سبيل المثال، أن الإعلانات عن مواد التنظيف المنزلية تشترك مع الكتب المدرسية المخصصة لدروس الإدارة المنزلية في خصيصة توزيع أو تقسيم خصيصة التنظيف ما بين فاعلين، الأول هو الإنسان - أي قارئ الإعلان أو الكتاب المدرسي - والثاني هو السلعة (مثل: «مسحوق صابون إيجاكس ينظف دون الشطف بالماء»، ومثل «المساحيق الدقيقة تستطيع امتصاص السوائل») وهو ما يوحي في الحالتين أن الشخص الذي يقوم بالتنظيف «يحتاج» إلى السلعة. وهكذا فإن الكتب المدرسية وغيرها من أشكال الخطاب التعليمي، تسهم في تكوين الذوات باعتبارهم مستهلكين، كما أن العملية التعليمية تؤدي، من بين ما تؤدي إليه، إلى تعليم القراء قراءة الإعلانات. وكما سبق أن ذكرنا أعلاه، نرى كيف تدل هذه الأمثلة على تكوين الفئات الاجتماعية والمجتمعات المحلية، وعلى اندماج الأفراد في مجتمعاتهم؛ ومن شأن أمثال هذه الممارسات الخطابية أن تولد في وقت واحد رؤية (استهلاكية) للعالم ومجتمع (من المستهلكين) يرتبط بهذه الرؤية. ويتفق هذا مع الرأي الذي يقول إن العمل الأيديولوجي للخطاب يولد في الوقت نفسه صورا تمثيلية للناس في مجتمعاتهم ونظما تحكم هذه المجتمعات (انظر ديبراي، 1981م؛ ومينجينو، 1987م، 42).
ويقع مفهوم ترابط المعنى في قلب معظم تعريفات التفسير. فليس ترابط المعنى من خصائص النصوص، كما سبق لي أن أوضحت، بل من الخصائص التي يفرضها المفسرون على النصوص، إذ إن اختلاف المفسرين (بمن فيهم منتج النص) قد يؤدي إلى توليد معان مترابطة مختلفة للنص نفسه، بل وينبغي ألا نفهم أن المعنى المترابط معنى منطقي مطلق، فنحن نرى أن النص ذا المعنى المترابط هو النص الذي يقدم معنى متسقا إلى حد معقول في نظر المفسر، وهو ما لا ينفي وجود حالات قلق والتباس في المعنى.
Bog aan la aqoon