Khadka iyo Isbedelka Bulshada
الخطاب والتغير الاجتماعي
Noocyada
وقد دأب بعض ممارسي اللغويات النقدية في الآونة الأخيرة على الإعراب عن انتقادهم للعمل السابق (كريس، 1989م، فاولر، 1988م، أ) بما في ذلك بعض الانتقادات التي ذكرتها آنفا، كما اتجه بعض أعضاء المجموعة إلى العمل الوثيق بوضع مدخل مختلف بعض الشيء (هودج وكريس، 1988م؛ كريس وثريد جولد، 1988م) وأطلقوا عليه «السيميوطيقا الاجتماعية». وتختلف هذه عن اللغويات النقدية في أنها تهتم بشتى أنواع النظم السيميوطيقية، ومن بينها اللغة، وكذلك بالتفاعل ما بين اللغة والسيميوطيقا البصرية. وهكذا غدا من شواغلها الرئيسية العمليات الخطابية الخاصة بإنتاج النص وتفسيره، كما اهتمت اهتماما سافرا بوضع نظرية اجتماعية للخطاب، تتسم بالتوجه إلى الكفاح والتغير التاريخي في الخطاب، ويتركز هذا في محاولة لوضع نظرية للنوع. (6) بيشوه
وضع ميشيل بيشوه وزملاؤه (بيشوه وآخرون، 1979م؛ بيشوه، 1982م) مدخلا نقديا لتحليل الخطاب، وهو يشبه اللغويات النقدية في محاولة الجمع بين نظرية اجتماعية للخطاب ومنهج للتحليل النصي، معتمدين أساسا على الخطاب السياسي المكتوب، وكانوا يربطون واعين بين بحوثهم وبين التطورات السياسية في فرنسا، وخصوصا العلاقة بين الحزبين الشيوعي والاشتراكي في السبعينيات والمقارنة بين خطابيهما السياسيين.
وكان المصدر الرئيسي لمدخل بيشوه في النظرة الاجتماعية نظرية الأيديولوجيا الماركسية عند ألتوسير (1971م)، وكان ألتوسير يؤكد الاستقلال النسبي للأيديولوجيا عن القاعدة الاقتصادية، وإسهام الأيديولوجيا الكبير في إعادة إنتاج العلاقات الاقتصادية أو تغييرها، كما كان يقول: إن الأيديولوجيا أبعد ما تكون عن «الأفكار» المجردة، بل إن لها أشكالا مادية. وإلى جانب هذا فإن الأيديولوجيا تعمل من طريق تشكيل الأشخاص باعتبارهم ذواتا اجتماعية، وتثبيتهم في «مواقع» ذوات معينة، وإيهامهم في الوقت نفسه بأنهم أحرار، وتقع هذه العمليات داخل شتى المؤسسات والمنظمات، مثل التعليم أو الأسرة أو القانون، وهي في نظر ألتوسير تعمل باعتبارها أبعادا أيديولوجية للدولة، أو ما أطلق عليه «أجهزة الدولة الأيديولوجية».
ويتمثل إسهام بيشوه في هذه النظرية في إرساء فكرة اعتبار اللغة شكلا ماديا بالغ الأهمية من أشكال الأيديولوجيا، وهو يستخدم مصطلح «الخطاب» ليؤكد الطبيعة الأيديولوجية لاستعمال اللغة، قائلا: إن الخطاب «يبين آثار الصراع الأيديولوجي داخل عمل اللغة، وعلى الجانب المقابل وجود الطابع المادي للغة داخل الأيديولوجيا » (بيشوه، مقتطف في كورتين، 1981م)، ويمكن تصور أحد أجهزة الدولة الأيديولوجية باعتباره مركبا من «تشكيلات أيديولوجية» متداخلة العلاقات، وكل منها يتفق عموما مع موقع طبقي داخل هذا الجهاز. ويقول بيشوه: إن كل موقع من هذه المواقع يتضمن «تشكيلا خطابيا»، وهو المصطلح الذي استعاره من فوكوه. والتشكيل الخطابي هو «الذي يستطيع في إطار أي تشكيل أيديولوجي ... أن يحدد «ما يمكن وما ينبغي أن يقال» » (بيشوه 1982م، 111، والتأكيد في الأصل). وفهم هذا الكلام يتعلق بالدلالات المحددة للألفاظ: فالكلمات يتغير معناها وفقا لمواقع الذين «يستخدمونها»، (بيشوه وآخرون 1979، 33) أضف إلى هذا أنه على الرغم من أن تشكيلين خطابيين مختلفين قد يشتركان في كلمات أو تعبيرات معينة فيهما، فإن العلاقات بين هذه وبين الكلمات أو التعبيرات الأخرى سوف تختلف ما بين الحالتين، وينطبق ذلك على معاني هذه الكلمات والتعبيرات المشتركة؛ لأن علاقتها بغيرها هي التي تحدد معناها. فعلى سبيل المثال نجد أن كلمة «مناضل» تعني أشياء متعددة كثيرة في خطاب النقابات (حيث قد تكون مرادفا للناشط، وعكس معنى «الخامل») وفي خطاب اليمين المحافظ (حيث يمكن أن تكون مرادفا ل «المخرب» وعكس معنى «المعتدل»). يضاف إلى هذا أن الذوات الاجتماعية تتشكل في علاقتها بتشكيلات خطابية معينة ومعانيها الخاصة؛ وهذه التشكيلات الخطابية، حسبما يقول بيشوه واجهات لغوية «ل «مجالات فكرية» ... تكونت على أسس اجتماعية تاريخية في صورة نقاط تحقيق الاستقرار، إذ تنتج الذات وفي الوقت نفسه
تنتج في صحبته
ما سوف يرى ويفهم ويفعل ويخاف ويتمنى» (بيشوه 1982م، 112-13، التأكيد في الأصل).
وتقع التشكيلات الخطابية داخل مركبات من عدد من التشكيلات الخطابية المترابطة، تسمى المركب الخطابي، وتتحدد المعاني الخاصة بكل تشكيل خطابي «من الخارج»، أي من خلال علاقته بغيره داخل المركب الخطابي. و«الحالة» الخاصة للمركب الخطابي في أي وقت معين (أي ما التشكيلات الخطابية التي يحتويها وما العلاقات بينهما)، تعتمد على حالة الصراع الأيديولوجي داخل أجهزة الدولة الأيديولوجية، ولكن هذا التحديد الخارجي للتشكيلات الخطابية أمر لا تتمتع الذوات في العادة بالوعي به، فالذوات يميلون إلى أن يتصوروا خطأ أنهم هم أنفسهم مصدر معاني التشكيل الخطابي، وإن كانوا في الحقيقة من نواتجه. ويشير بيشوه إلى عناصر جاهزة سابقة البناء تتردد وتدور بين التشكيلات الخطابية، ويظن الناس أنها تعبر عن «الواقع»، أو عما هو معروف، أو ما سبق أن قاله المشاركون، في حين أن هذه عناصر نشأت في الواقع خارج الذوات، أي داخل المركب الخطابي. ومن الأمثلة تعبيرات مثل «ارتفاع مستويات المعيشة بعد الحرب»، أو «التهديد السوفييتي»، وهي تنتقل من تشكيل خطابي إلى آخر، باعتبارها تعبيرات جاهزة، مع افتراضاتها السابقة (أي إن ارتفاع مستويات المعيشة قد حدث، وأنه يوجد تهديد).
ولكننا نواجه تمييزا مهما يقول: إن الذوات لا يقبلون التشكيل الخطابي قبولا تاما في كل حالة، فقد يقيم بعضهم مسافة تفصله عنهم باستعمال ما يسمى «التمييز الميتاخطابي» (انظر الفصل الرابع) مثل الإشارة إليه مسبوقا بصفة «المزعوم» أو بعبارة «ما يسمى كذا»، أو بتجهيله. وهذا التمييز الذي يحول دون القبول الكامل أي «التماهي»، يطلق عليه بيشوه تعبير «التماهي المضاد»، ويعني به الابتعاد عن الممارسات القائمة من دون إحلال ممارسات جديدة في محلها. وأما إذا حدث هذا الإحلال فسوف ينشأ لدينا ما يسمى «نقض التماهي» وهو موقف اختلاف جذري تجري فيه «الإطاحة بمركب التشكيلات الأيديولوجية وإعادة ترتيبها (مع التشكيلات الخطابية المتداخلة معها)» (بيشوه 1982م، 189)، ولكن بيشوه يرى إمكان الارتباط الخاص بين نقض التماهي وبين النظرية والممارسة الثورية للماركسية اللينينية في الشكل التنظيمي للحزب الشيوعي.
ويسمى منهج التحليل «التحليل التلقائي للخطاب» لأن للإجراءات جانبا يتولاه الحاسوب لتحديد التشكيلات الخطابية في مجموعة مختزنة من النصوص. ويقول بيشوه وآخرون (1979م، 33): إن تكوين «الكوربوس» (النصوص المختزنة) في ذاته يجسد «الافتراض القائل بوجود تشكيل خطابي واحد أو أكثر» مهيمن على النصوص التي يتكون منها، ويضيف بيشوه وزملاؤه: إن مثل هذا الافتراض ينبغي أن يصدر من المباحث العلمية المتخصصة، مثل التاريخ أو علم الاجتماع، لا من محللي الخطاب أنفسهم، لتجنب الدوران في حلقات، إذ إن تجميع الكوربوس على أساس افتراض ما، يعني فرض التجانس على هذه النصوص، كما يزداد تجانس الكوربوس باستبعاد بعض الأجزاء النصية التي تختلف «ظروف إنتاجها» (وتختلف من ثم التشكيلات الخطابية المهيمنة فيها) عن النصوص الرئيسية.
وأول إجراء من هذه الإجراءات هو التحليل اللغوي للنص بتقسيمه إلى جمل بسيطة، باستخدام الإجراءات «التحويلية» التي وضعها عالم اللغة زليج هاريس (1963م). على سبيل المثال: «إنني آسف لرحيلها» يمكن تحليلها بتقسيمها إلى جملتين بسيطتين هما: «إنني آسف» «(لأنها) رحلت». وبعد ذلك توضع رسوم بيانية تبين أنواع العلاقات بين هذه الجمل البسيطة (التنسيق، التبعية، الاستكمال ... إلخ). ويجري بعد ذلك تطبيق إجراءات حاسوبية أخرى لتحديد الكلمات والعبارات التي ترتبط بعلاقة «استبدالية»، بمعنى أنها يمكن أن تأتي في المواقع نفسها في الجمل البسيطة ذات البناء النحوي المماثل، والتي تتشابه في علاقتها بالجمل البسيطة الأخرى. فعلى سبيل المثال ترتبط الكلمتان «المناضلون» و«المخربون» بعلاقة استبدالية في الجملتين التاليتين: «علينا أن ننتبه للمناضلين الذين يعطلون الصناعة»، و«يجب أن تحذر الأمة من المخربين الذين يقوضون مؤسساتنا». وعندما تنشأ علاقة استبدالية في أحد النصوص بين كلمات أو تعبيرات معينة، تنشأ علاقات دلالية بينها، مثل علاقة الترادف («أ» يفيد «ب»، و«ب» يفيد «أ») أو علاقة الإيحاء المضمر («أ» توحي ب «ب»)، ولكن «ب» لا توحي ب «أ»، ومن المحتمل أن يكون ذلك سمة مميزة للتشكيل الخطابي الذي يرتبط به النص. وتركز الإجراءات على «كلمات أساسية» معينة، كلمات ذات قيمة اجتماعية استثنائية أو دلالة سياسية (مثل كلمة «الكفاح» في الخطاب السياسي) (ولمن يريد المزيد من الوصف التفصيلي لمنهج التحليل أن يرجع إلى مينجينو 1976م، وطومسون 1984م، 238-47)، وأخيرا لا بد من تفسير نتائج الإجراءات التحليلية، وإن كانت المشاكل المرتبطة بالتحليل لا تكاد تحظى بأي اهتمام، ويبدو أن المنهج كله مخصص لحالة واحدة.
Bog aan la aqoon