Khawatir Khayal
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Noocyada
سارت بنا مركبة «الترولي» فوق تلك القناطر الفخمة، وماء الترع يتدفق من فوق أبواب العيون الموصدة وهو يدوي عند تدهوره كالرعد القاصف، والسيل العرمرم الجارف، ويدحرج اللجج الهائجة المزبدة حتى وصلنا إلى الحديقة الأخيرة في الضفة الثانية من الترعة المنوفية، وهي بيت القصيد من تلك الجنان وأحدثها عهدا.
عرجنا يسرة عند ملتقى النيل بتلك الترعة، وصعدنا إلى ربوة شائقة سائرين في ممر نثرت في جانبيه شعب من أصول الأشجار العظيمة، وغطي طرف منها بالطين، غرست فيه بعض النباتات الفارشة من «بلومباجو» كاس بزهره الأزرق الصافي «وجيرانيوم بلتاتوم»، وقد ازدان بأزهاره من أحمر وأبيض ووردي «وروسيليا جونسيا»، وقد استرسلت فريعاتها الشعرية، وتدلت عناقيدها المرجانية.
جلسنا فوق مقعد بقمة تلك الربوة وعلى كثب منا شجرة «دوتزيا كريناتا» كاسية بعناقيدها البيضاء الناصعة كأنها مجللة بالجليد، وقد زرعت حولها دائرة من «البيجونيا» ذات الأزهار المستمرة فلمعت أوراقها كالأطلس، وغطيت بأزهارها الرشيقة الحمراء، وعلى مقربة منا دائرتان؛ إحداهما من المنثور، والثانية من الخيري، وقد تضوع المكان بأرجهما الشذي.
أشرفنا من هذه الربوة الزمردية على ذلك الفردوس الفخم، وقد امتد أمامنا فرشه السندسي، ونثر فوقه بديع الزهر ورشيق النور كأنه بساط من استبرق نثر عليه اللؤلؤ والياقوت والزبرجد والماس.
انتقلنا إلى الجهة اليمني فشاهدنا أشجارها الباسقة من اللبخ «والبوانسيا ناريجيا» وغيرها، وقد تسلقت عليها «البوجنفليا» الحمراء، «والرينكوسبرموم» الياسميني بأزهاره البيضاء التي تحاكي الياسمين في رياه وشكله، «والبومونسيا» بأزهارها التي تشبه الأبواق البيضاء وشذاها المنعش.
جللت هذه المتسلقات جذوع تلك الأشجار وكستها ثيابا بديعة، وصعدت فروعها إلى أفنان الدوح لتعانقها وتلثمها وتحتمي بها من غائلة الرياح العنيفة التي تعبث بأغصانها الرفيعة اللدنة.
نبتت تحت ظلال خمائل الأيك نباتات مختلفة تخشى الشمس والقر والقيظ مثل: كزبرة البئر والسرخس والهليون الربشي «والبروميليا» «والكليفيا»، فأصبحت تمثل ركنا من أركان غابات البريزيل.
تخيرنا هناك مكانا جميلا فيؤه ظليل، ونسيمه عليل، على ضفة بركة ماؤها سلسبيل، وبه مقعدان كبيران تظللهما شجرة من الخلاف المتدلي.
لبثنا لحظة سكوتا نفكر في جمال الربيع، وبينا أنا مفتون بهذا الحسن الساحر، إذ عبثت الصبا بغدائر الخلاف المسترسلة فمسحت وجهي كأنها تداعبني وتلاطفني، فالتفت إلى الشجرة فرأيت طيف الشعر فناجاني بصوته العذب: «خذ اليراع والقرطاس ومجد الربيع بما أوحيه إليك من فاتن النفحات.»
سلام زينة الكائنات، وموقظ الأرض من السبات، تحية طيبة يا كاسي العود بقشيب البرود، ومرصع الأشجار برشيق الأزهار، وشذى النوار، ويانع الثمار.
Bog aan la aqoon