Khawatir Khayal
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Noocyada
وأغرب من هذا وذاك تأثير الموسيقى في الثعابين والأفاعي، هذه الهوام الخبيثة التي جبلت على الشر والأذى، والمثال الآتي يرينا أن للموسيقى وحدها دون أن تستعين بالسحر نفوذا عظيما على هذه الهوام، نرى الهندي يعزف بألحان خاصة فتهرع إليه الثعابين من جحورها وتقف بين يديه ذليلة صاغرة وديعة متجردة من ميولها الخبيثة، فيأخذها الطرب وتلعب وترقص على نغمة مزماره.
روى الرحالة «روسليه» ما شاهده في الهند من استحضار الثعابين وترقصيها فقال: حينما كنا في الهند دعانا اثنان من السحرة المشتغلين باستخراج الثعابين والاتجار بها، وقدما لنا بعضا منها ومن أندرها نوع يسمى «جولابي» أو ثعبان الورد؛ لأن ثوبه منقوش باللون المرجاني، ونوعا آخر يشبه رأسه ذنبه حتى يصعب التمييز بينهما، رددت ناظري في الثعابين فلم أجد بينهما النوع المسمى «كوبرا كابللو» فقلت لهما: «ما الفائدة من جميع هذه الأنواع إذا لم يكن فيها «الكوبرا» الذي نريده ؟» فأجابا: «إن هذا النوع نجده بسهولة، بل نستطيع أن نعثر عليه في فناء داركم.»
أخذني العجب ولم أصدق أنهما يعثران عليه في وقت قصير، فقام أحدهما وتجرد من ثيابه ولم يترك إلا سرواله وأخذ المزمار المعروف عندهم باسم «تومريل» وهو خاص بالثعابين ودعاني لاقتفائه، فذهبنا خلف البيت إلى خلاء مغطى بالحجارة والعوسج، وأخذ يعزف بمزماره فينبعث منه أصوات حادة يتخللها تنويعات في الصوت ألطف من التي ابتدأ بها، وما هي إلا هنيهة حتى أشار إلي أن أنظر إلى نقطة عينها فرأيت ثعبانا مطلا برأسه من جحره أسفل حجر، فرمى الرجل مزماره وانقض عليه كالبرق وقذف به في الهواء ثم أمسك بذنبه حينما وقع على الأرض، وبعد فحصه وجده حية غير سامة فعاد إلى عزفه، وما هي إلا لحظة كلمح البصر حتى شاهدنا ثعبانا يثب في الهواء ثم وقع على الأرض فهجم عليه الرجل وأمسك به فإذا هو من النوع الذي أنشده أسود هائل يربو طوله على متر، طفق الثعبان يختبط ويحاول الإفلات، فأسرع الرجل وأمسك به من خلف رأسه وفتح فمه وأرانا أنيابا حدادا يقطر منها الموت الزؤام؛ فتحققنا صدق عمله؛ لأن معظم هذه الفئة يستخدمون الثعابين بعد تجريدها من أنيابها، وعندما يكلفهم أحد باستخراج ثعبان يطلق أحدها خفية ويوهم الناس أنه استخرجه من المكان المرغوب، ثم أخذ الرجل يخلع أنياب الثعبان ليمنعه من الأذى، وقد فاجأه أثناء عمله بلدغة في إصبعه فسال الدم منه وأسرع يمتصه بفمه بقوة ثم وضع عليه حجرا صغير أسود مخرما، وقدمه لي أخيرا قائلا: إنه دواء ناجع للدغ «الكوبرا» فاشتريته منه، وبعد تحليله وجدته قطعة من العظم مكلسة رقيقة الأنسجة.
وبعد هذا الصيد أنشأ الهنديان يريانا من أنواع ألعاب الثعابين ما أدهشنا، فنفحناهما برنيتين بعدما قضينا أكثر من ساعتين في الصيد والألعاب، فكان هذا العطاء الحقير أجرا عظيما لهما وخرجا لاهجين بالشكر والثناء. (2-5) الموسيقى والتربية
إذا كان الغناء كفؤا للتسلط على الجن وتسكين غضبها وطرد الشياطين والتنبؤ بالمصائب أو منعها، فيكون من باب أولى أهلا لأن يؤثر في قلوب الناس ويهيمن نفوذه النافع على عقول الأمة أو شبانها، ومبلغ القول أنه يكون خير وسيلة يستعملها الحاكم أو المهذب للتربية.
وقد قال الكتاب القدماء: إن العادة التي كانت متبعة عند الفرس أن يعهد بالأمراء وهم في الرابعة عشرة إلى أساتذة أكفاء، ويختص بكل واحد منهم ثلاثة مهذبين ممن كملت أخلاقهم وآدابهم، ويكون أحدهم قاصرا على تعليم سحر «زورواستر»، فهل كان هذا السحر موسيقيا؟ إننا لا نستطيع أن نجيب على هذا السؤال بالضبط، ولكننا نقدر أن نصل بالاستدلال إلى ما يقربنا من الحقيقة.
وقد روى المؤرخ الصيني الشهير «سيماتسبين»: «أن ملوك الصين الأقدمين حينما سنوا قوانينهم الخاصة بالسحر والموسيقى لم يقصدوا منها تشنيف الأسماع ومسرة العيون، بل أرادوا أن يعلموا الشعب أن يكون عادلا في حبه وبغضه وأن يهدوه إلى الصراط المستقيم، ولما رتبوا الموسيقى جعلوا ضمن مبادئها تلطيف الأخلاق الإنسانية.» فمن الموسيقى ما يريح النفوس، ومنها ما يحثها على الخير، وترى في الحفلات الموسيقية سواء أكانت عامة أو خاصة أن الموسيقى تحدث في القلوب احتراما وطاعة وحبا؛ إذ تصير الناس طائعين لشجي الألحان والأنغام.
تجد في الكتاب الصيني القديم المسمى «يوكي» ترجمة المسيو «شافان» العبارة الآتية:
ولما كانت الموسيقى تؤثر في أعماق النفوس، وتحدث تغيرا في الطباع، وتحولا في العادات؛ فلذلك اتخذها الملوك الأقدمون وسيلة للتربية.
وقد رأى جميع المفكرين حتى من عهد فيثاغورس أن الموسيقى من أنجع الطرق للتربية، وقال أفلاطون: «إن أعظم فن مهذب هو الذي ينفذ إلى النفوس بواسطة الأنغام فيهيئها للفضيلة، وقد أطلق عليه اسم الموسيقى.» وقال أيضا: «جميع حياتنا محتاجة إلى النظام والانسجام.» ومن هذا نعلم التأثير الطيب النافع للموسيقى، وقال «أريستوكسين» الفيلسوف والموسيقي اليوناني القديم: «لقد أصاب قدماء اليونان في كونهم أعاروا كل اهتمامهم للتهذيب بالموسيقى؛ لأنهم استحسنوا أن يهذبوا نفوس الأطفال بواسطة الموسيقى لتنقاد إلى الجمال والشرف.»
Bog aan la aqoon