Khawatir Khayal
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Noocyada
إن للموسيقى العربية مائة نغمة (مقام) أو أكثر من مائة وزن (الضروب)، ولكن أين النابغة المثقف الذي يحسن التأليف والتلحين.
إن بعض الملحنين ينزعون في تلحينهم إلى اختطاف ألحانهم من الألحان القديمة ثم يخلطونها بشيء من الموسيقى الإفرنجية المنحطة التي نسمعها في أفقر المقاهي الإفرنجية، ويظنون لسذاجتهم أنهم جددوا الفن ونهضوا به، وما دروا أنهم شوهوه وفضحوه، وهذا جرم كبير لا يغتفر، عيرنا به كثير من المستشرقين.
كانت الموسيقى المسرحية قد خطت أول خطوة في سبيل النجاح، ولكن القائمين بأمرها لم يحسنوا إدارتها، وكان ينقصهم الحزم والتدبير والذوق الفني؛ فلذلك فشل المشروع في عامه الثاني واستمرت الموسيقى المسرحية في التمثيل الهزلي، والحمد لله قد نشطت هذه المسارح وسارت في سبيل الرقي لولا ما يصادفها من عقبة لم تذلل وهي ندورة المطربين والمطربات الحائزين للأصوات الجميلة القوية الرنانة والثقافة الموسيقية الصحيحة.
إننا معشر المصريين مقصرون في تجميل بيوتنا وإنعاشها بالفنون الجميلة حتى نسكن إليها بعد عناء العمل، ونجد فيها من وسائل السرور والأنس ما ينسينا آلامنا وينعشنا ويجدد قوانا.
نجد الأسر الإفرنجية تهتم بتعليم أبنائها الموسيقى، وتعنى ربة الدار بنظام الحديقة وتنسيقها حتى تصبح جنة مصغرة ترتاح إليها النفوس المتعبة، وفي المساء تجتمع الأسرة فتحيي حفلات موسيقية ترقص لها القلوب وتنسى فيها الهموم والآلام.
أما بيوتنا التي تجردت من جميع مظاهر الجمال والأنس حتى نفرت منها النفوس، ولم يطق الأبناء أن يطيلوا المكث فيها فينصرفون إلى المفاسد من تجوالهم ومعاشرة ذوي الأخلاق الضعيفة، فلا يلبثون أن تتسرب إليهم عدوى الرذائل ويصبحون في عداد الحشرات المؤذية.
إن الموسيقى لغة القلوب، ومهذبة الأخلاق، ومرققة الطباع، ومبددة الهموم والأشجان، وخير لنا أن نهتم بها في أوقات فراغنا ونسعى في رقيها حتى نعيد عصر زرياب وإسحاق الموصلي. (2) بيتهوفن «للفيلسوف العظيم والكاتب الكبير إيبوليت تين»
يلزمك يا ولهلم أن توقع لي الآن السونات التي من مقام السول مينور، ألا تعرف المؤلف؟
إن الموسيقى لها هذا التأثير الفتان؛ لأنها لا توقظ فينا أشكالا مثل المناظر الطبيعية وسحن الناس والوقائع والمواقف الممتازة، بل تثير حالات النفس كأنواع الفرح والكآبة ودرجات الانقباض والانتعاش ومنتهى البشاشة أو البث القاتل الذي تضمحل أمامه القوى، تطرد جميع الفكر فلا يبقى إلا أعماق النفس والقوة التي لا نهاية لها؛ وهي اللذة والألم وهياج وهدوء الخلقية العصبية الحساسة والاختلافات والانسجامات التي لا تحصى في اضطرابها وسكونها، كما لو نزع من بلاد أهلها وطمست معالمها ومحي حرثها فلم يبق إلا الثرى وأغواره وأطواده وصرير الرياح وخرير الأنهار والشعر الأبدي المتباين للنهار والليل.
لم أكن مصغيا لك ومسايرا؛ لأني كنت أفكر، فأرجو منك أن تعيد القطعة الثانية التي من المقام الكبير (الماجور).
Bog aan la aqoon