Khawatir Khayal
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Noocyada
وكان الكاهن يقرأ تارة «الهاجبات»، وطورا يشرح كتاب «جيتا»، أو يعظ في المعبد مستقيا مواعظه من الكتب المقدسة، وكان البعض يستمد نصائحه والآخر سحره أو طبه.
مرت الشهور وأقبل نيسان وجاء أوان كسوف الشمس، وكثر المستحمون في الكنج، وأنشئت سوق تحت خمائل «البابلاس»، وشوهد بين الحجاج القادمين لتحية الكاهن سرب من نساء القرية التي تزوجت فيها «كزم».
كان الكاهن في صباح يوم جالسا على إحدى درجات سلم الشاطئ وهو يدير سبحته في يده، وكان ضمن الحجاج امرأة تشير إلى صاحباتها قائلة: «إن هذا الكاهن لهو زوج صاحبتنا كزم.» ثم أزاحت التي بجانبها قناعها قليلا قائلة: «إنه هو بذاته وهو أصغر أولاد أسرة «شياترجو» التي تقطن قريتنا.» وقالت ثالثة وهي تنظم قناعها: «إن جبينه كجبينه، وأنفه كأنفه، وعينيه كعينيه.» وقالت أخرى دون أن تلقي نظرة على الكاهن وقد حركت جرتها في الماء وهي تتنهد: «وا أسفاه! إن هذا الفتى لن يعود أبدا، ووا حسرتاه على كزم!»
ولاحظت أخرى قائلة: «إنه لم يكن طويل اللحية مثله.» وقالت غيرها: «لم يكن هزيلا مثله.» وقالت أخرى: «يظهر أنه كان أصغر سنا.» واستمرت المناقشة بهذا الشكل ثم انقطعت.
وفي ليلة تم البدر أقبلت «كزم» وجلست على مقربة من الماء فوق الدرجة العليا من سلم الشاطئ، فوقع ظلها علي وكنا وحدنا على حافة موضع الاستحمام، وقد صدح حولنا الجندب وسكتت نواقيس المعبد وخفتت أصوات الأمواج عن ذي قبل متهيئة للاختفاء في الخمائل التي لا يحققها النظر من الضفة المقابلة كذكرى الصوت، ولمعت أشعة القمر فوق مياه الكنج السوداء، ومالت في اتجاه منبع النهر ظلال خيالية هائلة على السياج والخمائل، كما مالت على باب المعبد وحوض الماء والنخيل، وكانت الخفافيش تتأرجح فوق أغصان «الشتيم» بينا ينتشر على مقربة من المنازل عواء أبناء آوى، ثم لا يلبث أن يستحوذ عليه السكون.
خرج الكاهن من المعبد بخطوات متثاقلة، ونزل بعض درجات من مكان الاستحمام، فلحظ امرأة وحدها وتهيأ للابتعاد حينما رفعت كزم رأسها وأدارته فتزحزح قناعها وأضاء القمر وجهها.
حلقت بومة فوق رأسها ثم صاحت فاقشعرت، ولما اطمأن بالها نظمت قناعها ثم وقفت وقفة احترام وخشوع أمام الكاهن، فبارك عليها، ثم قال لها: من أنت؟ فأجابته: إن اسمي كزم، وفي هذه الليلة لم يتبادلا كلاما غير هذا، ثم سارت ببطء إلى منزلها وكان على مقربة من هذا المكان، ولكن الكاهن لبث مكانه فوق السلم دون حراك ساعات طوالا، وفي النهاية حينما غرب القمر وسقط ظل الكاهن أمامه هب ودخل المعبد.
ومن هذه الآونة رأيت كزم آتية كل يوم وماثلة بين يديه بإجلال وخضوع، وكانت تجلس في ركن لتستمع منه شرح الكتب المقدسة، وكان يدعوها إليه بعد الانتهاء من صلاة الصباح ويحادثها في مسائل الدين، ولكنها ما كانت تستطيع أن تفهم كل ما يقوله، بل كانت تصغي إليه بكل دقة، وكانت تساعد في خدمة المعبد وتسارع في العبادة، وتقتطف الأزهار لتزين بها «بوجا» وتحمل الماء من الكنج لغسل أرض المعبد.
أصبح الشتاء على وشك الرحيل واستمر الهواء باردا، وفي بعض الأحيان قبيل المساء يهب نسيم الربيع الحار فجأة من الجنوب، وتفارق السماء شكلها الشتوي، وكان يسمع من جديد صوت المزامير والموسيقى من القرية بعد السكوت الطويل، وسرح الملاحون سفنهم ماخرة الماء، وكانوا يقفون التجديف لينشدوا أغاني «كريشنا»، وقصارى القول: كان كل شيء يبشر بمظاهر الربيع وإقباله.
وفي هذه الأثناء لم أشاهد «كزم» وقد اختفت من أيام ولم تظهر في المعبد، ولا في مكان الاستحمام، ولا أمام الكاهن.
Bog aan la aqoon