Khawatir Himar
خواطر حمار: مذكرات فلسفية وأخلاقية على لسان حمار
Noocyada
واقتحم الناس الدائرة وكان كثيرون منهم يقتربون مني ويلاطفونني، لأنهم يريدون أن يبصروني من قرب، وصار الذين يعرفونني يفتخرون بي، ويذكرون اسمي ويعرفون بي من لم يكن يعرفني، ويحدثونهم عن عجائب أعمالي بالصدق وبالكذب، وبما رأوا من نوادري المعروفة عندهم، فقال أحدهم إنني أطفأت حريقا وحدي بتمشية خرطوم ماء وتوجيهه إلى النار، وبأنني صعدت إلى الدور الثالث ثم فتحت باب سيدتي الصغيرة وقبضت عليها وهي نائمة في سريرها، ولما كان اللهيب يملأ السلالم والشبابيك وثبت من الدور الثالث بعد الاعتناء بسيدتي ووضعها فوق ظهري، وأنه لم يصبنا أذى ولا جرح في ذلك الوثوب، لأن الملك الحارس الذي كان يحفظ سيدتي ساعدنا في الهواء حتى وصلنا إلى الأرض بسلام. وقال آخر إنني قتلت في ليلة واحدة كثيرا من اللصوص، لأنني عضضتهم بأسناني واحدا بعد واحد بحالة لم تسمح لواحد منهم بالاستعانة بصاحبه والتخلص مني.
وإنني ذات مرة فزت في السباق على جميع حمير البلد، وإنني جريت في شوط واحد مدة خمس ساعات ... وقطعت 25 فرسخا بدون وقوف ...
هكذا قالوا، ومن عادة الناس المبالغة وتكبير الصغائر. وكان الإعجاب بي يزداد كلما انتشر هذا الكلام بين الناس، وكانوا يدورون حولي ويتفرسون في، واضطر رجال البوليس إلى تفريق الناس عني منعا للزحام. وسرني من حسن الحظ أن أقارب لويس وجاك حملوا الأطفال وأبعدوهم حين رأوا تجمهر الناس وازدحامهم حولي، وتكلفت تعبا كثيرا لكي أخلص من الناس، ولم أخلص إلا بمساعدة البوليس. وكاد الناس يحملونني إعجابا، واضطرني الحياء إلى التخلص منهم خجلا من هذا التشريف، ولم أتخلص إلا بأنني كنت أمد فمي في كل ناحية لأعض بأسناني من يقترب مني، وكنت أهم برفس خفيف برجلي تنفيرا لهم، ولكني كنت شديد الحرص وعظيم الحذر من أن أجرح أحدا، وأردت بذلك أن أجعلهم يخافون مني فيفسحون لي الطريق.
ولما تخلصت من الجموع تلفت في كل ناحية فلم أجد لويس ولا جاك، ولم أرض بأن هذين الصغيرين العزيزين يرجعان إلى المنزل مشيا على الأقدام، فلم أضيع الوقت في التفكير بل جريت إلى الإصطبل المعتاد وضع الخيول فيه، فدخلت فيه فلم أجدهما لأنهما ذهبا.
وحينئذ أسرعت السير في الطريق الموصل إلى المنزل، فأدركتهم وهم يركبون عربتين اثنتين تكدس فيهما الأطفال مع الرجال فوق بعض، حتى كانوا خمسة عشر راكبا في هاتين العربتين.
فلما لمحني الأطفال صاحوا مبتهجين: كديشون! كديشون! فوقفت العربتان، وطلب جاك ولويس أن ينزلا لكي يقبلاني ويثنيا علي، ثم تبعهما سائر الأطفال ونزلوا جميعا.
وقال لويس وجاك: أرأيتم كيف أننا كنا نعرف أكثر منكم ذكاء كديشون وخفة روحه؟
أرأيتم كيف كان متيقظا، وكيف أنه بسرعة أدرك تلاعب ميرليفلور وصاحبه الغبي؟
فقال بيير: هذا صحيح، ولكنني أحب أن أعرف لماذا اجتهد كديشون في وضع البرنيطة على رأس صاحب الملعب؟
أذلك لأنه أدرك أن ذلك الرجل غبي، وأن تلك البرنيطة كانت علامة الغباوة والحمق؟
Bog aan la aqoon