48

Khawatir Himar

خواطر حمار: مذكرات فلسفية وأخلاقية على لسان حمار

Noocyada

فقلت: مسكين يا صديقي ميدور! إذن كان ضربك من أجلي، أشكرك يا صديقي، ولا أنسى مودتك وفضلك، ولكن أرجو ألا تعود لمثل هذا. وهل تظن أن هذا الخبز يلذ لي إذا كان يسبب لك ألما؟! أنا أفضل ألا أعيش إلا بالحشائش والشوك وأن أعلم أنهم يحسنون معاملتك.

ثم تحادثنا أيضا طويلا، وطلبت منه ألا يعرض نفسه بعد هذه المرة للأذى من أجلي.

ثم إنني في نفس اليوم أوقعت جول وأخته في حفرة مملوءة بالماء، وتركتهما يتخبطان فيه وتخلصت. وفي مرة أخرى تتبعت الطفل الذي عمره ثلاث سنوات بحالة أوهمته أنني سأعضه، فصاح وجرى وهو مرعوب. وفي مرة ثالثة كان على ظهري حمل من البيض، فتظاهرت بأن عندي مغصا وصرت أدور في الطريق وأجري حتى تكسر أكثر البيض.

ومع أن الفلاحة كانت مغتاظة فإنها لم تجسر على ضربي، فإنها ظنت أنني كنت حقيقة مريضا وحسبت أنني سأموت، وأن الثمن الذي دفعوه في شرائي سيضيع عليهم، فبدلا من أن تضربني أخذتني برفق وأحضرت إلي شعيرا ونخالة، ولم ألق في حياتي أحسن من هذه الرحلة. وفي المساء حدثت ميدور بكل ما جرى فاستلقينا من الضحك.

وفي مرة رابعة رأيت كل ثياب الفلاحة منشورة على الحبال، فأخذتها بأسناني قطعة فقطعة ثم ألقيتها في حفرة مملوءة بالماء القذر ولم يرني أحد، فلما رجعت الفلاحة لم تجد الغسيل على الحبال، وبعد بحث طويل وجدتها في ذلك المستودع فتغيظت كثيرا وضربت الخادم، والخادم ضربت الأولاد، والأولاد ضربوا القطط والكلاب والخرفان، وكانت موقعة لطيفة لدي لأنهم كانوا كلهم يضجون ويلعنون وهم مغتاظون. وضحكنا كثيرا في مساء ذلك اليوم أنا وميدور.

ولما تفكرت فيما جرى مني ندمت كثيرا، لأنني جازيت الأطفال الأبرياء بذنوب غيرهم، وعاتبني ميدور على ذلك ونصحني بأن أكون أحسن أخلاقا، ولكني لم أصغ إليه بل ازددت سوءا عوقبت عليه عقابا شديدا كما سترى أيها القارئ.

ففي يوم من أيام البؤس والشقاء والحزن، مر رجل فرأى ميدور فناداه ولاطفه، ثم توجه إلى صاحب المزرعة واشتراه منه بمائة فرنك، وكان صاحب المزرعة فرحا مسرورا لأنه يعرف أنه يشتري كلبا آخر ببعض هذا الثمن.

وفي الحال ربط صديقي بحبل وقاده سيده الجديد، وذهب وهو ينظر إلي نظرة حزن وأسف على الفراق، فجريت كثيرا ودرت في أنحاء الزريبة لكي أجد ممرا أخرج منه فلم أجد، وأسفت كثيرا لأنني لم أستطع القيام بتوديع صديقي وتشييعه في سفره.

ومنذ ذلك اليوم اشتد بي الضجر، وكان هذا بعد حادثة السوق بمدة وبعد هروبي إلى الغابة، وفي أثناء السنين التالية لذلك فكرت كثيرا في صديقي، ولكن أين أجده وقد عرفت أن سيده الجديد لم يكن يسكن البلدة، وأنه لم يكن جاءها إلا لرؤية صديق له؟

ولما قادني جاك نحو جدته دهشت دهشة عظيمة حين أبصرت صديقي ميدور عندها، وكانت دهشة عظمى للناس جميعا حين أبصروا ميدور يهرول نحوي ويتودد إلي وأنا أتبعه حيث كان، وظنوا أن ذلك الفرح من ميدور كان سببه أنه وجد له رفيقا في النزهة.

Bog aan la aqoon