Khawatir Himar
خواطر حمار: مذكرات فلسفية وأخلاقية على لسان حمار
Noocyada
وفي المساء دخل رجلان المرج، وقال أكبرهما للثاني: ألا ترى يا أخي أن نبيت الثيران هذه الليلة، فإنه يقال إنه يوجد في الغابة ذئاب؟ فأجابه: ذئاب! من حدثك بهذه السخافة؟
فقال: ناس من مدينة ليجل، وقيل: إن حمارا من تلك المدينة اختطف وافترس في هذه الغابة.
فأجاب: اسكت يا أخي، فإن كنت تعني حمار العزبة القريبة منا فإن أهلها غلاظ الأكباد، وربما كانوا هم الذين قتلوا الحمار من شدة الضرب، فقال: فلماذا إذن يقال إن الذئاب أكلته؟ فأجاب: لكيلا يعرف أنهم هم الذين قتلوه. فقال: على كل حال يحسن أن ندخل الثيران. فأجاب: افعل ما شئت يا أخي، فإنني لا أتمسك بالموافقة ولا بالمخالفة.
سمعت هذا منهما وأنا لم أتحرك من مكاني، وإن كنت كثير الخوف من أن يرياني، وكان البرسيم عاليا يخفيني عن النظر، ولحسن الحظ لم تكن الثيران في الجهة التي أنا فيها، فقادوها إلى العزبة التي فيها أصحابها.
ولم أخف من تلك الذئاب لأن الحمار الذي تحدثوا بقتله لم يكن سواي، وأنا لم أحس أثرا لأي ذئب في الغابة، فلذلك نمت ملء جفوني، وأتممت فطوري في الوقت الذي عادت فيه الثيران صباحا إلى المرج، وكان يقودها كلبان ضخمان.
ولمحتهما بخفة حين كان أحدهما يبصرني وينبح بلهجة مهددة، وجرى نحوي فتبعه الآخر. ما العمل؟ وكيف أفر منهما؟ هرعت إلى جانب النهير وابتعدت عنهما، وسمعت صوت أحد الرجلين اللذين سمعتهما ليلا ينادي الكلاب، واستمررت في سبيلي هادئا متابعا السير إلى أن وصلت إلى غابة أخرى لا أعرف اسمها، وأيقنت أنني بعدت عن العزبة وعن مدينة ليجل بنحو عشرة فراسخ وأنني نجوت الآن، لأنه ليس يعرفني هنا أحد، وأستطيع أن أظهر بغير خوف من أن يقودني أحد إلى سادتي.
الفصل الثالث
الأسياد الجدد
عشت هادئ البال في هذه الغابة نحو أشهر، وضجرت من العزلة، ولكنني مع ذلك أفضل الانفراد على معيشة البؤس مع الناس.
وزاد همي حين أبصرت الحشائش تقل وصارت قاسية، وتساقطت أوراق الشجر وتجمد الماء وترطبت الأرض.
Bog aan la aqoon