لقيت فكري يوما، فإذا عينان منطفئتان، ووجه قاتم لا بشر فيه، وحين تصافحنا وسألته كيف أنت؟ أجابتني منه دمعتان تصرخان بالألم الحبيس يعلو ضجيجه في صمت.
ماذا بك ... فكري ماذا بك؟ وأشار إلى لسانه وحركه في فمه حركة لا يستقيم معها لسان، ولا تصدر منه كلمة ... لماذا؟ أشار إلى السماء وضرب كفا بكف، ولم أجد شيئا أقوله فالحديث الصامت الذي ألقاه لا يسمح لي أن أجد شيئا أقوله.
وفي يوم وجدت فكري يدلف إلي في مكتبي بنادي القصة، وقد عاد إليه إشراقه وابتسامته، ولا غرو؛ فقد عاد إليه لسانه وروى وأفاض.
طلع عليه الصباح فإذا لسانه لا ينطق، لم يكن في ليلته السابقة تعرض لكدر أو إثارة، وإنما كانت ليلة مثل كل الليالي، صلى العشاء وقرأ في القرآن ونام، ثم أصبح وقد أمسك لسانه عن الحديث، مر بالأطباء جميعا من أعصاب إلى باطنة إلى شرايين ... لا شيء به ... أعصاب أضربت عن العمل دون طلبات ... وتوالت الأدوية، ومرت الأيام بلا فائدة ثم هو يقول إنه نام في ليلة وقد عصره الألم عصرا بعد أن صلى العشاء، وأفاض في الدعاء والرجاء، وتجلت له السيدة زينب في الحلم تدعوه إليها، فقام قبل الفجر وقصد مقام السيدة أم هاشم، وارتمى على عتبتها ونذر لله النذور، وقبل أن يكمل صلاة الفجر كان يقرأ سورة الفتح بصوت مرتفع، وعاد لسانه إلى انطلاق، انحبست الدموع من عينيه واتجه إلى مقام السيدة يقدم الشكر ويفي بالنذر.
ترى كم من المثقفين سيقرءون هذا الكلام ويسخرون، هؤلاء لم يحسنوا الثقافة، فعلوم الروحانيات معترف بها في أعظم الدول تقدما.
وقد شهدت في التليفزيون الأمريكي شخصا يشفي الناس بقوة دينية خارقة، وحسبت يومذاك أنه برنامج إعلاني، إلا أنني رأيته منذ قريب يعرض بالقاهرة، والبرامج الإعلانية لا تباع.
وقد يقول قائل إنها حالة نفسية وثقة من المريض أنه سيشفى، وما البأس؟ وفيما تضار الثقافة إذا اطمأن إنسان إلى معنى كريم هو وفاء لأهل بيت رسول الله وللعارفين بالله المتقربين إليه.
ولا شك أن المغالاة في هذا سخف، بل إن المتصوفة يرفضون تصوف المجاذيب لأن المجذوب لا يدرك، أما أن يؤمن إنسان بأن إنسانا آخر من الأتقياء يستحق أن يزار قبره وتقرأ له الفاتحة وتوزع الصدقات على الفقراء اللائذين بساحته، فإنه لا يمس الثقافة في شيء، فإن قائلا لم يقل إن هذا يغني عن العلم، بل إن صديقنا فكري مع إيمانه بمقام الأولياء لم يقصد إليهم بادئ ذي بدء، وإنما قصد إلى الأطباء ولكن السيدة زينب - رضي الله عنها - هي التي شفته وليحلل مدعي الثقافة هذا الشفاء بما يحلو له من التحليل.
كثيرا ما يكون إلى جانبي أستاذنا توفيق الحكيم - وهو من أعظم المثقفين في العصر الحاضر - ونمر على مقام سيدي بشر بالإسكندرية، فما ينسى الحكيم مرة أن يقرأ له الفاتحة، بل لقد نذر في مرة منذ سنوات أن يذبح له خروفا إذا شفي مريض عزيز من أهل بيته، وشفي المريض، وما زال الحكيم يذبح خروفا في كل عام ويوزعه على فقراء سيدي بشر، وقد مرت السنون الطوال على هذا النذر، وثمن الخروف في هذه السنوات وصل إلى مبلغ لا شك أن أستاذنا الحكيم يتأثر بدفعه تأثرا شديدا، ولكنه مع ذلك لا يتردد.
وإخواننا المسيحيون في مصر لهم أيضا من يتبركون به، مثل ماري جرجس، وسانت تريز، ودميانه، بل ما أظن الشموع في الكنائس العالمية إلا صورة من هذا التقرب.
Bog aan la aqoon